مضت منذ أيام الذكرى السابعة لما بات يسمى ثورات الربيع العربي، من دون أن يحتفل بها أحد، أو أن تخرج إلى الميادين حشود كتلك التي امتلأت بالمواطنين العرب في دول الربيع. ولم يظهر على شاشات الفضائيات سوى فريق من إعلاميي جماعة الإخوان المسلمين، مازال يتوهم أن الجماعة هي صانعة هذه الثورات، وأنه بعد الخلافات التي وقعت بينها وبين شركائها فهي الوريث الشرعي لتلك الثورات، وأن مقعد الرئاسة في مصر سيظل في انتظار الإخونجي محمد مرسي !
أخذت استرجع أحداث السنوات السبع الماضية في البلاد التي شهدت هذه الثورات وهى خمس دول: تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن، بحثا ًعن الأسباب التي حولت الربيع إلى خريف، والثورة إلى فوضى، والوحدة الوطنية إلى حرب أهلية، والذكرى إلى كابوس.
كان أول ما تذكرته، هو أن الربيع العربي لم يمر إلا على هذه الجمهوريات الثورية، ولم يكن لذلك معنى سوى أن ثورات الربيع العربي كانت في جوهرها انتفاضات شعبية قامت بها شعوب هذه الدول الخمس ضد الثورات التي أسست للأنظمة التي كانت تحكمها، سواء كانت جمهورية أو جماهيرية. فما الذي حدث وأدى إلى أن خرجت شعوب البلاد الثورية العربية ضد الأنظمة التي كانت تحكمها، والتي استقبلتها يوماً بالأفراح والأناشيد، والآمال الواسعة في أنها وقد حققت تحرير بلادها من الاستعمار الأجنبي,أوعلى الأقل استكملته سوف تجلب لها الرخاء والسلام والأمن والاستقرار؟!
في البحث عن إجابة عن هذا السؤال، تقافزت أمامي عوامل عدة، منها أن الربيع العربي كان مع بعض التجاوز بمثابة ثورة عشوائية ضد الثورة، وانتهت إلى أنه كان إعلاناً بإفلاس النظم الثورية العربية، التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، ورحيل الاحتلال الأجنبي، سواء كان إنجليزياً أو فرنسياً أو إيطالياً.
في استرجاع مشاهد الربيع العربي، توقفت أمام ظاهرة اعتقاد الذين شاركوا في اندلاعها، أنه نجح لأنه بلا قيادة لتتحكم فيه، وأنه حقق أهدافه في إسقاط الدولة الوطنية بسبب هذه الميزة النادرة، وكان رأيى آنذاك وحتى اليوم،أن هذه العفوية هي التي أنهت هذا الربيع، الذي اتسم بالفوضى والعشوائية، وأفكار هزلية من نوع أن الثورات تنتصر حين تكون بلا قيادة. وكان وراء هذه الفكرة الساذجة، أن معظم الشباب الذين تصدروا المشهد آنذاك، لم يكونوا يعرفون بعضهم البعض، ولا تقودهم سوى الرغبة في التغيير، وفى مزيد من الحرية، وفي محاولة اللحاق بعالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفييتي، وبدء ظاهرة العولمة، وثورة الاتصالات التي حولت العالم إلى قرية تكنولوجية واحدة.
وبسبب هذا الخلط، فإن ما سميت بثورات الربيع العربي، كشفت عن أنها تعرف ما لاتريد، ولكنها لا تعرف البديل له. وكان طبيعياً أن يقفز تيار الإسلام السياسي المتطرف الذي يحتفظ بهياكل تنظيمية، وبرؤية تقليدية إلى هذه الثغرة الكبيرة فيما يسمى الربيع العربي، وأن يستولي على السلطة، وأن يحقق الأغلبية في الانتخابات، وأن يبدو هو المؤهل لكي يحل محل النظم الثورية التي كانت تحكم هذه البلاد الخمسة. وهكذا تحول المشهد إلى لوحة مأساوية سريالية، لما بتنا نراه هذه الأيام.
وما لبث الجميع أن أدركوا أن جماعات الإسلام السياسي المتطرف هي التي حلت محل الدولة الوطنية، ومع أنها تمتلك تنظيماً حديدياً، إلا أنها في الممارسة العملية أثبتت أنها لا تقل جهلاً عن الاخرين، وأنها تفتقد للحد الأدنى من الخبرة لإدارة الدول، أو التعامل مع المجتمعات، وأن ما تعتبره أفكاراً هو في معظمه إجراءات فات زمانها. ولم يبذل هذا التيار، وفي القلب منه الإخوان، أي مجهود لتجديد رؤيته الإسلامية، لعالم اختلف تماماً عن زمن الخلافة.
وجاء الوقت الذي بدأت فيه الجماهير العربية تشعر بأن الذي حدث أضر ببلادهم، وأطاح باستقرارها. وذهب بعضهم إلى القول إن الوضع الذي كان سائداً قبل هذا الربيع كان رغم عيوبه الكثيرة أفضل مما حدث، ولا معنى لذلك سوى أنهم كانوا يعرفون جيداً ما لا يريدونه، لكنهم لم يكونوا يعرفون ماذا يريدون!
* كاتب مصري