تشهد إيران تظاهرات احتجاجية تعد الأكثر انتشاراً منذ عام 2009. ولا تزال هذه التظاهرات تكتسب زخماً، أما دوافعها في المقام الأول كانت اقتصادية، لكن العديد من الشعارات المرفوعة باتت سياسية، ويهاجم بعضها بشكل مباشر حكم رجال الدين في إيران الذي تم وضعه في أعقاب الإطاحة بالشاه في عام 1979.

وبدأت التظاهرات بمظاهرة ضد ارتفاع الأسعار في مدينة مشهد، ثاني أكبر مدن إيران، وموقع أكثر أضرحتها قداسة، وهو المكان الذي ينظر إليه تقليدياً بأنه معقل المتشددين من رجال الدين.

وقد يكون هؤلاء المحافظون قد أطلقوا الاحتجاجات أو تساهلوا معها كطريقة لتقويض سلطة الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي ينظر إليه كمعتدل سياسي، والذي انتخب مرة أخرى بهامش كبير في العام الماضي.

وإذا كان الأمر كذلك، فقد خرجت الاحتجاجات بسرعة عن سيطرة المحافظين، وتندلع الآن في جميع أنحاء إيران، في أدلة قوية على مستوى السخط العالي الذي يعم البلاد، وربما إشارة إلى تنظيم سري لجماعات مناهضة للحكومة.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد هدد العام الماضي بدعم مقاومة محلية مناهضة للحكومة في إيران، على الرغم من أن هذا لا يعني بالضرورة بأن إدارته فعلت أي شيء من هذا القبيل حتى الآن. وتتهم تغريدته الأخيرة قادة إيران بتحويل البلاد» إلى دولة مارقة مستنفدة اقتصادياً، صادراتها الرئيسية هي العنف وسفك الدماء والفوضى. وقد ترغب الولايات المتحدة أيضا بتمويل جماعات عرقية مثل الأكراد الإيرانيين المهمشين أصلا من الحكومة المركزية.

الخطابات العدائية ضد نظام إيران كخطابات ترامب سوف تستخدم لتشويه سمعة المتظاهرين كبيادق لقوى أجنبية. ومنذ سقوط الشاه، انقسمت إيران سياسياً، لكن السبب الأكثر إلحاحا لاندلاع تلك الاضطرابات الأخيرة هو السخط الاقتصادي والاجتماعي.

وقد قلص الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الكبرى في عام 2015 العقوبات المفروضة على البلاد، لكنه لم يولد الفوائد التي توقعها كثيرون. وقد أعلن عن زيادة في أسعار الوقود في الميزانية بنسبة 50% في ديسمبر، وارتفعت أسعار البيض والدواجن في الآونة الأخيرة بنسبة 40% .

وما زال من السابق لأوانه الإعلان الى أي مدى تلك الاحتجاجات تشكل تهديداً للحكومة ولاستقرار إيران السياسي. فحجم التظاهرات ودافعها غامضان بسبب عدم وجود تقارير لشهود عيان موثوق بها. ويعود ذلك جزئيا الى القيود الحكومية على التغطية الإخبارية من قبل وسائل الإعلام الإخبارية الإيرانية والأجنبية، مما يخلق فراغاً في المعلومات.

في طهران في أوائل عام 2011 كانت هناك تظاهرات حقيقية في شمال المدينة. وقد تشير صور المتظاهرين وهم يمزقون صورة للزعيم الروحي آيه ألله علي خامنئي الى تحول جذري مناهض للنظام في الاحتجاجات، أو اندفاعة وحيدة لا غير، لا تخبرنا إلا القليل بشأن اتجاه الحركة. وينطبق الشيء نفسه على شعارات الإشادة بالشاه، أو المنتقدة لدعم إيران لرئيس النظام السوري بشار الأسد.

حتى الآن، كان رد الفعل منخفض المستوى تجاه الاحتجاجات من الرئيس روحاني وإدارته، بدعوته إلى الهدوء وتصريحه إن للناس الحق في التظاهر لكن ليس تدمير الممتلكات أو الانخراط في أعمال عنف. وتأمل الحكومة بشكل واضح أن تستنفد الاحتجاجات طاقتها، لكن حتى الآن يبدو أن العكس يحدث. وفيما عدد الاعتقالات لا يزال منخفضاً، إلا أنه لا بد أن يكون روحاني تحت ضغوط تمارس عليه لقمع المتظاهرين وعدم الظهور بمظهر الضعيف.

وهذا ما قد يلجأ إليه في نهاية المطاف، لكن قد تسفر حملة قمع للتظاهرات بحملة دعائية جيدة إلى زيادة الدعم الشعبي لها في إيران، وسيؤدي بالتأكيد الى تنطع الولايات المتحدة والأوروبيين الغربيين للدفاع عن حقوق الإنسان في إيران بحماسة.

كما قد يؤدي القمع الدموي للاحتجاجات أيضا إلى دفع الأوربيين الغربيين باتجاه موقف ترامب العدواني تجاه إيران مقوضاً بشكل قاطع الاتفاق النووي. وهذا، بدوره، من شأنه أن يعزز يد المتشددين في إيران، الذين بإمكانهم القول إن مواقف روحاني الأكثر استيعاباً للعالم الخارجي وسياساته الأكثر ليبرالية في الداخل، قد أخفقت.