2017 هي السنة التي فازت فيها فرنسا وخسرت بريطانيا. فقد برز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، محولاً المشهد السياسي المتصلب، ومبهراً العالم والعديد في بلاده بطاقة شبابه المتجددة، فيما تعثرت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، بمطب تلو آخر، حيث هرولت إلى واشنطن لعقد لقاء محرج مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأطلقت المادة 50 من دون أية خطة بشأن تبعات ذلك، وفقدت الأغلبية في البرلمان.

وقد أمّن ماكرون قاعدة صلبة في الجمعية الوطنية لحزبه «الجمهورية إلى الأمام»، وألقى خطاباً غناءً عن أوروبا، مبشراً بعهد جديد من التمكين والسيادة الأوروبية. وذهبت ماي إلى فلورنسا في محاولة لبناء الثقة مع أوروبا، برغم كل شيء، لكن ما لاحظه معظم الناس هو أن بريطانيا ستدفع مستحقاتها إلى الاتحاد الأوروبي.

بالنسبة لهاتين السلطتين الاستعماريتين العالميتين السابقتين اللتين عليهما الآن أن تتصديا لعالم سريع التغير، حيث لم يعد سهلاً لعب دور يفوق حجمهما، فإن هذا العام تميز بالتأكيد بانتصار الغال الفرنسيين وبؤس البريطانيين.

لكن إذا استمرت الأمور على هذا النحو في عام 2018، فإن لا أحد سيكسب. وبينما يوجد في أوروبا لاعبين آخرين أقوياء، تبقى العلاقة بين هذين الجارين عبر القناة الإنجليزية مهمة، برغم ذلك.

ولطالما واجه الفرنسيون اتهامات بالغطرسة، وكانوا ميالين دوماً إلى رؤية أوروبا كتوسعة لبلادهم. والعديد من البريطانيين كانوا نصف مقتنعين، أو غير مطلعين بالكامل، حول ما يعنيه الاتحاد الأوروبي في الأساس (ليس مجرد سوق موحدة). ويشكل التاريخ والسياسة الداخلية جزءاً كبيراً من كل هذا. لكن فرنسا لديها الكثير لتخسره إذا أدارت بريطانيا ظهرها لأوروبا.

وقد اعتقد أجزاء من النظام في فرنسا لفترة طويلة أن بريطانيا قوة معاكسة في النادي الأوروبي. ويذهب التفكير بأن ديغول كان على حق بمنع البريطانيين من الدخول فيه. أحد الأسباب يعود إلى أن توسعة الاتحاد الأوروبي بقيادة بريطانيا شرقاً، أي إعادة توحيد أوروبا، أدى إلى ذوبان إحساس فرنسا بأنها حجر الزاوية الذي لا غنى عنه.

وقد انتقل مركز الثقل في أوروبا إلى برلين، وحققت ألمانيا نتائج أفضل من فرنسا في العقد التالي، لذلك كان مغرياً لبعض البارسيين الاستمتاع بفكرة العودة إلى نوع من نموذج أوروبا «النواة»: مجموعة متماسكة تحمل رؤية «الآباء المؤسسين» من فترة الخمسينيات.

لكن ذلك لن يجدي نفعاً. فقد تغيّر العالم، وتغيّرت أوروبا. أما القوى التي كانت تملك إمكانية تقويضه فلم تتبدد، من موسكو إلى أنقرة، ومن الحركات الشعبوية المترسخة إلى العالم السيبراني، ومن الهجرة إلى الآثار العديدة للعولمة المنزوعة الأنظمة.

ومع كل الحديث عن أوروبا التي ستنجو من «بريكست» وترامب، فإن مسار الاصطدام الحالي لبريطانيا في خروجها من الاتحاد الأوروبي يبقى خطوة مدمرة للجميع بقدر ما كان يعتقد قبل 18 شهراً. سوف يمثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الانفصال الأوروبي الأول في غضون 60 عاماً، والجرح الذي يتعين علينا سبر نتائجه النهائية.

ويهز بريطانيا الاستقطاب والانقسام الداخلي، لكنها تبقى ديمقراطية قوية، تحمل القيم التي لا يمكن اعتبارها أمراً مفروغاً منه اليوم. وفي ضوء ذلك، فإن لفرنسا وبريطانيا مسؤوليات خاصة، ليس أقلها في الأمم المتحدة، حيث مبدأ التعاون الدولي نفسه عرضة للخطر.

بعض من يعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكنه أن يسير على خير ما يرام، يعتقد أن الشقوق التي ستفتح في النظام الليبرالي يمكن إخفاؤها. لكن سيكون هنا تكلفة. وينتظر المستبدون والمتعصبون على حد سواء للاستفادة من الوضع.

إذا كان ماكرون فعلاً منقذ أوروبا كما يريد أن يكون، فإنه لابد أن يدلي برأيه للمساعدة في منع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لماذا لا يمكنه توظيف هذه البلاغة والجرأة؟ ويمكن أن تفتح نافذة من الفرص الصيف المقبل، عندما سيتضح بشكل متزايد بأن «بريكست» مهمة شبه مستحيلة سواء من حيث الحجم أو التوقيت.

وهذا لا يعني أن فرنسا يجب أن تتحرك لوضع شروط جديدة أو استثناءات لبريطانيا، لن يحدث ذلك. فتركيز الاتحاد الأوروبي في مباحثات «بريكست» هو الحفاظ على الذات كتكتل، وهذا يشمل «لا» كبيرة لاتفاق مفصل يمكن أن يحوّل السوق الموحدة إلى قطعة من الجبن مليئة بالثقوب.

في عام 2016، أدلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وهو الرجل الذي يود ماكرون تقليده، بخطاب في هانوفر موجهاً ليس للحكومات وإنما لـ «شعب أوروبا». ومن اللافت للنظر أنه فيما قادة أوروبا يواصلون الحديث عن «الوحدة»، يميلون في المعظم لمد أيديهم إلى ناخبيهم المحليين الوطنيين. وقد أظهر ماكرون أن بإمكانه أن ينظر إلى أبعد من ذلك.

فلماذا لا يمد يده إلى الشعب البريطاني في تلك اللحظة التاريخية؟ لماذا لا يقول لهم: «نود منكم البقاء، ونحن لا نسعى للاستفادة من خروجكم أو إلحاق الضرر بكم، وما زال هناك الكثير لتحقيقه معاً؟»

لماذا لا يقول: بعض الاتجاهات التي أدت إلى "بريكست"، بما في ذلك عدم المساواة وتفتت النسيج الاجتماعي، هي مشكلات يتعين على فرنسا وغيرها في القارة التعامل معها ؟ لماذا لا ينغمس في المراجع التاريخية، حيث كان خلاص فرنسا بفضل شجاعة بريطانيا، والآن بعد 80 عاماً يظهر الشجاعة الفرنسية في المقابل؟.

هناك مخاطر مرتبطة بذلك. فأنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي المتشددين في بريطانيا سوف يصرخون ضد التدخل الخارجي، وسوف يشير اليسار الراديكالي ربما إلى ماضي ماكرون المصرفي. وقد يهز العديد من البريطانيين أكتافهم غير مبالين. لكن بعضهم قد يعيد التفكير، ويشعر أنه ربما كان ينبغي ألا يحدث أي خروج لبريطانيا من "بريكست".

في هذه اللحظة، لا يمكن للمستشارة الألمانية انغيلا ميركل أن تقدم مثل هذا الخطاب لأنها مقيدة بأوضاع من الغموض في الداخل. ومع ألمانيا غير واضحة بشأن خياراتها، فإن خطط إصلاحات منطقة اليورو لماكرون لديها أمل ضئيل في أن تتشكل العام المقبل، إن فعلت يوماً.

لكن يمكننا إحداث فرق، وفرق كبير، في أن نصبح الصوت القاري القوي الأول الذي يرفع قضية وقف كرة التحطيم الجماعية لـ«بريكست». إذا حصل ذلك، فإن العام 2018 سيكون قصة نجاح فرنسية بريطانية.