تتردد هذه الأيام نفس القصص والروايات المسلية التي انتشرت بعد سقوط نظام طالبان، حول أسامة بن لادن، وأماكن اختبائه المحتملة، وقصص أخرى عن نجاته من موت محقق في جبال تورا بورا وغيرها.

فلقد استمتع الجمهور بقصص مسلية عن الرجل منذ عام 2001، عندما سقطت إمارة طالبان إثر الغزو الأميركي لأفغانستان في ديسمبر من عام 2001، وحتى إعلان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن مقتله في 2 مايو 2011.

على مدى عشر سنوات وبضعة شهور، قرأنا تلك القصص عن الجبال المخيفة في تورا بورا، التي تخفي المسلحين المحيطين بابن لادن، وقصصاً عن قبائل قوية تحميه ومصاعب في الوصول إليه تواجهها قوات الدولة العظمى التي تملك أقماراً صناعية تستطيع أن تلتقط صورة واضحة لصحيفة في يد شخص جالس في مقهى.

توجت تلك القصص المسلية، بفاصل أخير، هو الإعلان عن مقتل بن لادن ورمي جثته في البحر، في قصة من نفس طينة هجمات 11 سبتمبر (تعبير مخفف عن مفردة: «مليئة بالأكاذيب الرخيصة»). اليوم، يعاد إنتاج نفس القصص عن الزعيم الآخر، الذي استلم الراية من بعد بن لادن، وهو زعيم تنظيم «داعش»، أبو بكر البغدادي.

فمنذ تحرير مدينتي الموصل في العراق والرقة في سوريا في أكتوبر من العام الماضي 2017، يتم تداول قصة عن اختفائه ما بين البلدات الحدودية في العراق وسوريا، مع ترجيح عودته إلى البلدات الصحراوية في منطقة الثرثار.

ومن المؤكد أن القصص التي تتكهن بمناطق وجود البغدادي ستتوالى تباعاً، لكن الأهم من هذا كله، هو محاولة قراءة مستقبل هذا التنظيم في المدى المنظور. من وجهة نظري، هناك عدد من الاحتمالات في هذا الصدد، ترتبط أيضاً بما إذا كان البغدادي لا يزال حياً أو أنه قتل، مثلما يؤكد الروس، في غارة جوية روسية:

(الأول): أن يكون البغدادي مصاباً بشكل خطير، وهو ما فسره بعض المراقبين باختفائه طيلة المعارك التي شنها الجيش العراقي ضد معقل التنظيم في الموصل، وحملة التحالف والأكراد السوريين على الرقة، وخفوت صوت آلة التنظيم الإعلامية. لكن رغم هذا، فإن من الممكن أن يظل التنظيم محتفظاً بما تبقى له من معاقل على جانبي الحدود العراقية السورية لفترة من الوقت.

سيرتبط هذا بالتأكيد، بما إذا كانت هناك حاجة لعرقلة أي تطور طبيعي في الأوضاع في كل من العراق وسوريا نحو الاستقرار، وإنهاء حالة الاحتراب الأهلي في سوريا، واستعادة قوة الدولة وسيطرتها الحقيقية على الموارد والسيادة.

يبدو هذا صعباً، لأنه ليس من الضروري أن يكون هذا المسار هو ما تريده القوى الفاعلة في كلا البلدين، خصوصاً إيران والولايات المتحدة وروسيا وتركيا. مصير تنظيم داعش، سيكون رهناً بهذه القوى، وليس رهناً بما يريده عناصر التنظيم.

(الثاني): في حالة الإعلان عن وفاة البغدادي مثلاً، من الممكن جداً أن يتم تسريب أكبر عدد من عناصر التنظيم وزرعهم في ساحات أخرى، والإعلان عن معقل جديد، على غرار الموصل والرقة.

يبدو هذا الاحتمال هو الأكثر ترجيحاً، وأبرز الساحات المرشحة لذلك هي ليبيا، وبدرجة ثانية سيناء في مصر. فالوضع في ليبيا، ووجود عناصر فيها أعلنت انتماءها لداعش، واستمرار حالة الانقسام والحرب الأهلية فيها، يجعلها ساحة مثالية لكي يعاد إحياء التنظيم فيها، حتى بمسميات جديدة.

كما أن وجود عناصر من التنظيم في سيناء، وخوض عناصره حرباً ضد الجيش وقوات الأمن المصرية، يجعل تسريب المزيد من عناصر التنظيم أمراً مغرياً ومفيداً لكل أولئك الساعين لإضعاف مصر وإشغالها في معارك تستنزف طاقتها. وتبقى قيود معاهدة كامب ديفيد حول حجم قوات الجيش عاملاً مغرياً لأصحاب هذه المخططات من عرابي تنظيم داعش.

ومن المرجح أن نشاطاته الإرهابية ستتزايد في كل من سيناء وليبيا في الوقت نفسه، سعياً لإحداث مزيد من الضغط على مصر.

(الثالث): بقاء العلامة المسجلة «داعش»، مع مزيج من الاحتمالات السابق ذكرها، أي أن تبقى للتنظيم بضع جيوب في العراق وسوريا، وأن ينشط ويواصل التوسع في أماكن أخرى. سيعتمد احتمال مثل هذا، على الدرجة التي يستطيع أن تبقى فيها بقايا التنظيم متماسكة، وعلى بقاء جاذبية أفكاره التي جلبت له آلاف المتطوعين من الدول العربية والأوروبية وجمهوريات القوقاز.

في كل الأحوال، يبدو مصير تنظيم داعش مشابهاً على أكثر من نحو لمصير تنظيم القاعدة إلى حد كبير. أي بعبارة أخرى، يشبه الأمر (مع فارق المقارنة)، مثل نيل شهادة جامعية تؤهل حاملها لكي يبدأ العمل في بلده الأصلي أو في أي بلد آخر.

هكذا تأهل الزرقاوي عبر قضاء بضع سنوات في أفغانستان، وتأهل غيره من الذين تم تسجيل أسمائهم في قاعدة بيانات أسامة بن لادن، والتي جاء منها اسم تنظيمه. الآن، يمكن أن تبرز تونس كبلد مستهدف بشدة، خصوصاً مع عدد متطوعين كبير في صفوف داعش، وهو قلق عبّر عنه صراحة مسؤولون حكوميون في تونس.

لكن علينا الانتباه جيداً: لتجديد شباب التنظيمات الإرهابية أو خلق أخرى جديدة تخلفها، يحتاج من يسعى لذلك إلى حدث كبير، يخلق مشاعر صدمة كبرى، مثل غزو أفغانستان، الذي أعطى القاعدة دفعة جديدة بعد سلسلة عمليات التسعينيات الإرهابية (بدءاً من تفجير فندق موفنبيك في عدن 1992، وصولاً إلى هجمات 11 سبتمبر)، ومثل غزو العراق، الذي مثل البيئة المثالية لنشأة الماركة المسجلة الجديدة «داعش».