يبحث الناس عن اللون الأخضر، ليشعروا بالسلام والأمان.. فقد اتفقت البشرية ضمنياً على هذا اللون المشرق، كرمز للطمأنينة والاحترام والسلام، لأنّه يأتي من نقاء الأرض وخضرة نَبْتِها وشجرها.
وتطوّرت مفاهيم الأخضر، لتشمل مجالات الطاقة والاقتصاد، وحتّى الإدارة، حيث بدأ مفهوم الإدارة الخضراء مؤخراً، يلفت انتباه صنّاع السياسات التنموية والاقتصادية، واسترعى اهتمام الحكومات الحريصة على تحقيق تنمية شاملة، قوامها الاهتمام بالإنسان، والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية المتاحة.
الإدارة الخضراء، إدارة إنسانية الرؤى، إيجابية التوجيهات، تركز على احترام الإنسان، والتحاور معه ومعرفة تطلعاته وتوقعاته، والعمل من أجل خيره ورفاهه، والمحافظة على الموارد، وعلى كل ما من شأنه خير الإنسان ومصلحته. وازداد الوعي بالإدارة الخضراء، نظراً لما يشهده العالم من تداعيات سلبية للمسائل البيئية، وتفاقُم في نقص الموارد، ما استدعى دراسات وأبحاثاً مكثفة، للوصول إلى منهجيات ناجحة في الحفاظ على البيئة، وتطوير مفاهيم الاقتصاد المستدام لخدمة الإنسان وإسعاده.
وفي هذا الإطار، سعت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أعوام، إلى تكريس مفاهيم الإدارة الخضراء في مختلف ميادين العمل، واستحدثت قوانين وسياسات جديدة تلبّي متطلبات الاستخدام المستدام للموارد، وتعزيز قضية الاستدامة البيئية.
وهنا تبرز مدينة (مصدر)، كنموذج رائد للمدن القائمة على الاستثمار الأخضر والتنمية المستدامة، التي تصبّ في إطار الإدارة الخضراء. وقد استفادت دولة الإمارات من التجارب العالمية في هذا المجال، حيث تشهد بعض الدول تحوّلاً جذرياً باتجاه الإدارة الخضراء، واستطاعت دول أخرى، تحقيق سبق عالمي في مجالات الاقتصاد الأخضر، والحفاظ على المقدّرات البيئية، وتعدّ تجربة البرازيل، واحدة من أهمّ التجارب العالمية في هذا المجال، حيث تعتبر مدينة (كورتيبيا) البرازيلية، المدينة الخضراء رقم واحد في العالم.
وعلى الرغم من الثورة الصناعية الكبيرة التي تشهدها الصين، فإنّها لم تهمل التنمية الخضراء، فقد وضعت استراتيجية للتنمية الخضراء في المدن الصغيرة والمتوسطة، وعملت على سنّ التشريعات والقوانين، لتنظيم عملية التحوّل باتجاه المدن الخضراء.
وفي الهند، لفتت منهجية الجوغاد (Jugaad)، أنظار العالم، بما تحمله من إبداع في فهم الواقع والتعامل معه، بما يضمن إنجاز الكثير بالقليل المتاح، وتخفيض التكاليف والنفقات وعمليات الشراء غير المبررة. ولأنّ العالم بكامله أدرك أهمية الإدارة الخضراء والمستدامة، فقد استحدثت منظمة العمل الدولية منذ أعوام، ما يسمّى بـ «الوظائف الخضراء»، حيث تتمحور هذه الوظائف حول التنمية المستدامة، وتستجيب للتحديات العالمية المعنية بحماية البيئة، والتنمية الاقتصادية، وتهدف منظمة العمل من وراء ذلك، إلى تكريس مفاهيم الاستدامة، وإضفاء الصبغة الخضراء على أساليب العمل، وخلق بيئات عمل نموذجية وكفؤة وآمنة.
ولم تكن الإمارات العربية المتحدة بعيدة بأي شكل عن المبادرات العالمية في مجالات الاقتصاد الأخضر والإدارة الخضراء، بل لطالما كان له السبق في تقديم مبادرات رائدة في هذا المجال، ومن ذلك، إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، (المنظمة العالمية للاقتصاد الأخضر WGES)، خلال شهر أكتوبر من عام 2016، والتي تمّ إنشاء مقرّ دائم لها في مدينة دبي.
بالإضافة إلى المشاريع العملاقة في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة، التي تنفّذ في دولة الإمارات، في إطار رؤية الإمارات 2021، وأهمها مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الأكبر من نوعه في العالم.
وفي الإطار ذاته، تبرز المبادرات المتميزة والمشاريع المستدامة للجهات الحكومية في دبي، والتي تصبّ في إطار التحوّل لبيئات العمل الخضراء، وانتهاج السلوكيات الإدارية الخضراء، حيث تسعى حكومة دبي إلى إدماج الاعتبارات والمتطلبات البيئية ضمن الخطط التنموية.
لم تأتِ هذه المبادرات في القطاع الحكومي من فراغ، فلقد خصصت منظومة التميز الحكومي بدبي، معياراً للاستدامة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، بحيث يحدد هذا المعيار، القدرات والنتائج المؤسسية المطلوب تحقيقها لضمان الاستدامة والتميز.
ومَنْ يراقب خطط الإمارات ومشاريعها الرائدة، التي تتجه بها نحو المستقبل، سيجد أنّها تسير خطوة بخطوة إلى جانب الخطط التنموية والمستدامة، التي رفعت اللون الأخضر شعاراً لها، لتقديم أفضل الخدمات وأعلى مستويات التميز في جميع مفاصل العمل، وتعميم ثقافة الإدارة الخضراء لدى جميع الموظفين، ومن مختلف المستويات الإدارية، الأمر الذي يعزّز الثقة بجهود حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، الرامية إلى الوصول إلى مستقبل متقدّم، عبر طريق أخضر مستدام.