تشهد بعض البلدان العربية، محاولات لبناء أوضاع دستورية جديدة، أو لإصلاح ما هو قائم من دساتير، تُشكّل في أي مجتمع المرجعية اللازمة لإعداد القوانين، ولضبط العلاقة بين الحكومات والمواطنين. وعادةً ما تستند الدساتير إلى مبادئ عامّة، يضعها البعض في صيغة مواثيق، بحيث تأتي الدساتير مُعبّرة عمّا في المجتمع من قيم ومفاهيم، وما عليه الوطن من هُوية ومن مرجعية لنظام الحكم فيه.

وقبل أكثر من عقدٍ من الزمن، أقام مركز الحوار العربي في منطقة واشنطن، عدّة لقاءات خاصة مع عددٍ من المفكّرين العرب المتفاعلين معه، من أجل إعداد مجموعة مبادئ تكون بمثابة أرضية فكرية لمشروع نهضة عربية، ولكي تُمهّد هذه المبادئ (المترابطة في عناصرها)، إلى إعلان ميثاق عربي معني بالسعي لمستقبل أفضل لعموم الأمَّة العربية.

وكان الأمل، وما زال، أن تكون هذه «المبادئ»، هي الخطوة الأولى التي من المهمّ أن يستتبعها عقد مؤتمر عربي فكري عام في إحدى العواصم العربية، من أجل الحوار والتوافق على مضمونها، ولوضع برامج عمل تنفيذية، تحقّق الغايات المرجوّة منها، ولتحديد أطر التفاعل والتنسيق الدائم بين الذين سيشاركون بالمؤتمر.

وقد هدفت «المبادئ السبعة» إلى توليد قناعة لدى عموم العرب، بأهّمية العمل التدريجي لقيام اتّحاد فيدرالي بين الأوطان العربية، يحفظ وجودها ووحدتها واستقرارها، ويضمن نهوضها وتقدّمها. وهنا نصّ المبادئ التي نرجو أن تكون مساهمة متواضعة في جهود من يعملون الآن على تطوير وإصلاح أوضاعهم الدستورية في أي بلد عربي:

ـ مسألة الهُوية العربية: العرب أمَّة واحدة، وهم ينتمون لثقافة واحدة، ولخبرة تأريخية حافلة مشتركة.

العروبة ثقافة قومية، يتمايز بها العربي بين سائر الثقافات ضمن العالم الإسلامي وخارجه. الانتماء للعروبة أعمُّ بالنسبة للعرب من الانتماء لإقليم أو طائفة أو مذهب أو أصول إثنية.

الهويَّة العربية هويّة ثقافية مؤلّفة جامعة، تتمثّل في واقع حال كلِّ عربي أينما حلَّ، وأيّاً كان دينه ونسبه.

الأمّة العربية تشكّل تواصلاً جغرافياً وحضارياً، وتكاملاً في الموارد والطاقات، وتقوم عناصر وحدتها على الاشتراك في اللغة والثقافة والتاريخ والأرض والمصير المشترك.

تكامل الأقطار العربية، من شأنه أن يزيل أخطر أسباب العجز في الحال العربي.

ـ مسألة العروبة والإسلام: الحضارة الإسلامية يشترك في الانتماء لها كلّ العرب، كيفما كان دينهم أو أصلهم العرقي. الحضارة الإسلامية هي الجامع المشترك للثقافات المتعدّدة في العالم الإسلامي. لكن للثقافة العربية خصوصية مركزية في الحضارة الإسلامية، كما اللغة العربية، التي هي اللغة المركزية في الإسلام، باعتبارها لسان قرآنه المجيد. في توحّد العرب دعم للعالم الإسلامي، وفي التآلف بين المسلمين، دعم للنسيج الجامع بين العرب.

مبادئ الإسلام: العدل ـ المساواة - كرامة الإنسان ـ الشورى، هي أيضاً مبادئ عالمية إنسانية تتّصل بها، تُستمدّ منها، وتترتَّب عليها حقوق الإنسان ومستلزمات رعايته. وتطبيق هذه المبادئ في الحياة المعاصرة، لا يجب أن تحدّه اجتهادات أو ممارسات الأوّلين.

اعتبارُ كل المبادئ والقيم الدينية للرسالات السماوية معيناً مرشداً لمهمّة الإصلاح.

الإسلام يرفض الإكراه في الدين، ويعتبر الكرامة للإنسان من حيث هو إنسان.

ـ المسألة الديمقراطية: لكي يستعيد العربي نفسَه الحضاري، لكي يقتدر على البناء والإبداع، لكي يحيا حياةً حرَّة طيبة، يجب أن تصان حقوقه كإنسان وكمواطن في وطنه، يتمتع بحقوق «المواطنة»، بغضّ النظر عن دينه أو نسبه أو حاله الاجتماعي.

المبدأ الديمقراطي يرفض التمييز على أساس جنس أو لون أو أصل عرقي أو منشأ وطني، أو انتماء طائفي أو مذهبي.

الممارسة الديمقراطية السياسية السليمة، تستوجب تحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء مجتمع العدل وتكافؤ الفرص والتنمية الاقتصادية الشاملة.

ـ مسألة حقوق المرأة: مبدأ المساواة بين الناس أصيل لا يُمسّ، ويعني التكافؤ بين الناس عموماً في حقوق الإنسان وحقوق المواطنة. نعم، قد يتغاير الاستعداد لدى الرجال والنساء في أداء بعض الأدوار في الحياة، لكن ذلك لا يجيز خرقاً للتساوي بين الجنسين في الحقوق، ولا في أهلية تولّي مسؤوليات قيادية.

في التنمية الوطنية للإناث حقّ متساوٍ مع الذكور في فرص التعلّم والعمل والمشاركة السياسة والمدنية في سائر شؤون المجتمع.

ـ مسألة المنهج: العلم أهمّ مصادر القوّة للأمم، بنموِّه تنمو وبتخلِّفه تتخلَّف. الحال العربي يتطلّب مجهوداً ضخماً لرفع المستوى العلمي عبر الوطن العربي، لأجل تمكين العرب من التنافس مع الأمم الأخرى بنجاح، في عصر يشكّل العلم فيه أهمّ أسباب النجاح.

ـ مسألة نبذ العنف عربياً على الإطلاق: لا يُلجأ إطلاقاً لعنف لحسم أيِّ خلاف أو اختلاف، مهما بلغ، بين أطراف عربية، سواء على صعيد صراعات سياسية أو طائفية ضمن القطر الواحد، أو نزاعات بين أقطار، ففي ذلك خرق لتضامن الأمَّة، وهدر لكرامتها، وتمكين للأجنبي من أن يتدخَّل فيفرَّق ويسود.

لا يجوز للسلطات أن تستخدم العنف في غير القضايا الجنائية، واللجوء للعنف في غير ذلك، سواء من السلطات أو من قوى في المجتمع، يمثّل إفلاساً فكرياً وسياسياً وأخلاقياً، وتنكّراً وإساءةً للعروبة وللديمقراطية وللقيم الدينية، ويفتح الطريق أمام الحروب الأهلية.

استخدام المقاومة المسلحة ضدَّ الاحتلال العسكري، أياً كان، حقٌّ مشروع على الأراضي المحتلة، ويُمارس ضمن توافق وطني عليه.

ـ القيم الخُلقية في الشأن العام: تتقدّم الأمم والمجتمعات وتتطوّر حضارياً، بمقدار ما يرتبط الشأن العام فيها بضوابط أخلاقية، تقوم على مجموعة من القيم التي تعدّ القيادات الصالحة لإدارة أمور الناس. ومن دون هذه القيم الأخلاقية، لا يمكن صيانة العمل العام في أي موقع رسمي أو مدني، من مزالق الفساد والاستغلال. فبناء الجيل العربي الجديد، والإنسان العربي عموماً، يتطلّب أولاً وأخيراً، الالتزام بالضابط الخُلُقي في كل شأنٍ عام.