على سفح تل أخضر في بلدة عفرين بشمال سوريا، قبضت الميليشيا المتحالفة مع الجيش التركي الذي غزا هذا المعقل الكردي، على مجموعة من المدنيين الأكراد المرتعبين.

وبدأ رجال الميليشيا المدججين بالسلاح الصراخ عليهم وشتمهم ووصفهم بالخنازير وعملاء حزب العمل التركي المعادي لأنقرة. ورفع المدنيون أيديهم إلى الأعلى علامة الاستسلام، وقادهم رجال الميليشيا إلى مكان مجهول وانقطعت أخبارهم ولم يعرف مصيرهم.

وهناك الكثير من مقاطع الفيديو المشابهة والصور المهربة من عفرين، وهي تظهر الدمار الكبير الذي ألحقته القوات التركية وحلفاؤها بالمنازل التي قصفتها. وأظهرت الجثث المشوهة لأطفال قتلوا بالقصف.

ولو التقطت هذه الصور في الغوطة الشرقية فستعرض في صدر نشرات الأخبار الرئيسية وتجتذب العناوين الرئيسية في الصحف. وستعرض نيكي هالي السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة هذه الصور للأطفال الموتى والذين يلفظون أنفاسهم في مجلس الأمن.

ولكن لأن هذه الأحداث تقع في عفرين وليس في الغوطة الشرقية، وهي في البلد نفسه ولكن تبعد عن الأولى 200 ميل، فإنه يتم تجاهلها تماماً من قبل وسائل الإعلام والسياسيين الأجانب.

وتشهد عفرين بداية مأساة في غاية السوء، وربما أسوأ مما شهدته الغوطة الشرقية الآن وشرق حلب عام 2016.

وتظهر بعض الصور أطفالاً مدفونين تحت الركام الأسمنتي، ويتعين على المرء البحث عن معلومات إضافية لمعرفة ما إذا كان القتلى هم من الأكراد الذي تعرضوا للقصف التركي والغارات المكثفة في شمال سوريا، أم من سكان الغوطة الشرقية الذين قتلتهم قوات النظام السوري في الوقت نفسه والطريقة نفسها. والفارق الأكبر بين الوضعين هو أن الوحشية التي يرتكبها النظام السوري تعمم عبر وسائل الإعلام على امتداد العالم، في حين أن القضية الكردية ينظر إليها على أنها قضية منعزلة ولا تستحق الذكر.

وكان قد أحكم الحصار على المناطق الكثيفة بالسكان في عفرين أخيراً فيما ارتفع عدد القتلى جراء القصف التركي وميليشياته إلى أكثر من 220 شخصاً وجُرح 600 آخرون من المدنيين، وذلك بحسب سلطة الصحة الكردية المحلية، التي حذرت من أنه من المرجح أن تصبح معاناة المدنيين أسوأ بكثير.

ويتسارع التقدم التركي نحو عفرين، وهو شيء يتوقعه الأكراد نظراً لأن تركيا تعلم أن الأنظار العالمية مركزة بصورة حصرية على الغوطة الشرقية. وقد أعلنت القوات التركية أخيراً أنها احتلت بلدة جنديريس الاستراتيجية الكبيرة، الواقعة جنوب غرب عفرين. وهي أكبر مركز حضري في المعقل الكردي، حيث تعرض معظم السكان في المناطق الريفية للطرد من منازلهم، والتجأوا إلى أماكن أخرى أكثر أمناً. وفي خضم هذه الفوضى الضاربة في سوريا، لا أحد يعرف عدد الأشخاص المحاصرين في عفرين، وقد قدرت الأمم المتحدة هذا العدد بنحو 323 ألف شخص، فيما يقول الزعماء الأكراد إنهم يقاربون المليون شخص.

وقد ينتهي المطاف بأكراد عفرين إلى أن يصبح مصيرهم مثل مصير القبارصة اليونانيين، الذين هربوا أو أجبروا على ترك مناطق سكناهم في شمال الجزيرة عقب غزو القوات التركية عام 1974، وهم لا زالوا يحاولون العودة إلى منازلهم وأراضيهم منذ 44 عاماً.

لقد اعتدت أن أنسب التغطية غير العادلة للحرب في سوريا للمهارات الكبيرة والمصادر الوفيرة التي تمتلكها المعارضة السورية في تسجيل ونشر المجازر الوحشية التي ترتكبها قوات النظام السوري وحلفاؤها، أما داعش فلا تهتم لمصير المدنيين الذين يقعون تحت سيطرتها.

ولكن في عفرين لا يوجد نقص في مقاطع الفيديو والصور التي تظهر معاناة المدنيين، لكنها ببساطة لا يتم بثها ونشرها على نطاق واسع. وفي العديد من المجالات، فإن دور وسائل الإعلام الدولية في الحرب السورية يبدو أقرب إلى أن يكون مضللاً أكثر مما هو دور جزئي، تماماً كدور الأطراف المتصارعة في داخل البلاد أو وكلاء الحرب في الخارج.

* مراسل الإندبندنت في الشرق الأوسط