ساد في العصر الصناعي عقلية الإنتاج الجماهيري، وكانت منتجاتها بكميات كبيرة وذات مواصفات موحدة المقاييس، واستمرت طيلة القرن الماضي تقريباً.

وفي عصر اقتصاد المعرفة الحالي فإن الميزة التنافسية لم تعد تعتمد على مفاهيم الإنتاج المتسلسل، والتسويق المكثف، والتوزيع المتعدد، والسياسات الموحدة، لأن مفتاح النجاح في الأعمال أصبح يكمن في تحديد خصوصية كل مستهلك، الذي يبحث عن إنتاج أشياء جيدة وخدمات مصممة خصيصاً لاحتياجات ورغبات خاصة لدى المستهلكين. وهذا المبدأ في اعتقاد الكثير يعد مكوناً حيوياً في موافقة رغبات وحاجات المستهلك، وهو المبدأ المنظم لقطاع العمل في عصر اقتصاد المعرفة.

أصبح المستهلكون هم أصحاب القرار والرأي، وأصبح قطاع الأعمال مطالباً بأكثر من مجرد ابتكار منتجات جديدة، أو إضافة ميزات جديدة لإرضاء الزبائن، وهذا يتطلب خبرات شاملة بالمستهلكين ورغباتهم، ومعرفة دقيقة بكل مستهلك، وبكل أساليب الحفاظ على القيادة المنافسة.

ومن وجهة نظر قطاع الأعمال فإن تطبيقات الخدمة الذاتية تعد في كثير من الحالات وسيلة أكثر جدوى لخدمة الزبائن من دفع شخص للقيام بذلك، ويتعزز هذا مع الارتفاع الكبير في تطبيقات الخدمة الذاتية من خلال الشبكة العنكبوتية، وأنظمة الاستجابات الصوتية الموجهة من قبل الذكاء الاصطناعي.

وبما أن الخدمات وعمليات البيع التقليدية يتم استبدالها بالتجارة الإلكترونية، فإن ذلك يغير مجالات التوظيف من المواقع التقليدية إلى الوظائف التي تتطلب مهارات في تقنية المعلومات، وفي كثير من الحالات إلى المواقع التي تتطلب قدرات من مستويات عقلية عليا، ولذلك فإن التجارة الإلكترونية جزء من توجهات محلية ودولية تتطلب مهارات أكثر في مكان العمل.

ويشهد القرن الحادي والعشرين انتهاء عهد استمرار الفرد في عمل واحد لدى شركة أو مؤسسة واحدة طيلة حياته العملية، فالكثيرون يضطرون لتغيير وظائفهم ومهنهم وأماكن عملهم بشكل مستمر كل ثلاث أو خمس سنوات تبعاً للتغيرات التي تحصل في البيئة المحيطة وبالمؤسسة التي يعملون فيها.

في بيئة العمل الجديدة، تتكون المنظمات والإدارات من عدد قليل من الموظفين والإدارات المركزية، وسيترك كل ما عدا ذلك لموردين خارجيين، وسيكون العديد من الأفراد يعملون وفق «مؤسسة في واحد»، أي أنهم يعملون بشكل مستقل ويتعاونون مع العاملين الآخرين في تخصصات متنوعة.

ومن مظاهر التغير في سوق أنماط العمل، وجود ما يسمى تقاسم/ مشاركة العمل الشائع في مجتمع المعلومات، والاعتماد على العمل عن بعد، حيث تجرب بعض الشركات فكرة العاملين من منازلهم، من خلال الاتصال إلكترونياً بمكتب الرئيس، وكذلك فإن التشغيل لفترات مؤقتة، ينمو بنسبة 15 % سنوياً.

إن معظم الوظائف الجديدة تعتمد على المهنيين القادمين من ميادين العلوم، والمعلوماتية، والهندسة، والإدارة، والاستشارات، والتدريب، والتسويق، والإعلام، والتسلية، أما الأعمال الروتينية البسيطة، فإنها تُستبدل بالأتمتة التقنية (الآلات الذكية)، ويتحول النوع الجديد من الوظائف بشكل سريع من إعداد المنتجات المادية المحسوسة إلى ابتكار المعلومات وتحويلها إلى «معرفة» لحل المشكلات، وأصبح تقييم الفرد يعتمد على مقدار ما يستطيع أن يتعلم، وليس على مقدار ما يعرف، وهذه هي السمة المميزة للقوة العاملة المعرفية.

وهناك سمات عديدة للعمل في اقتصاد ومجتمع المعلومات أهمها زيادة عدد القوى العاملة النشطة اقتصادياً في الأنشطة المعلوماتية، إذ يصل عددها في بعض الدول المتقدمة إلى أكثر من 50% من مجموع القوى العاملة، أي أكثر من مجموع القوة العاملة في المجالات الاقتصادية التقليدية، وبحيث يحتل قطاع التعليم موقع رأس الحربة في هذا المجتمع المعلوماتي، إلى جانب قطاعات البحوث والتنمية، والاتصالات والإعلام، والحاسبات والآلات، وخدمات المعلومات.

وعدا ذلك استخدام المعلومات كونها مورداً اقتصادياً، حيث تعمل المؤسسات والشركات على استخدام المعلومات والانتفاع بها في زيادة قدراتها وكفاءتها، وفي تعزيز التجديد والابتكار، وفي زيادة فعاليتها ووضعها التنافسي من خلال تحسين نوعية البضائع والخدمات التي تقدمها.

وأيضاً الاستخدام المتنامي للمعلومات بين الجمهور العام، ليصار إلى استخدام المعلومات من قبل الناس بشكل مكثف في أنشطتهم كونهم مستهلكين، ويستخدمون المعلومات أيضاً كونهم مواطنين لممارسة حقوقهم ومسؤولياتهم، وبناء نظم المعلومات التي تعمل على إتاحة التعليم والثقافة لكل أفراد المجتمع.

وكذلك ظهور قطاع المعلومات كونه قطاعاً مهماً من قطاعات الاقتصاد، حيث أصبح إنتاج المعلومات وتجهيزها وتوزيعها نشاطاً اقتصادياً رئيسياً في العديد من دول العالم.

وهناك مواصفات أساسية يتطلبها سوق العمل من الموارد البشرية في عصر اقتصاد المعرفة تتمثل في القدرة على التقاط المعلومات وتحويلها إلى معرفة قابلة للاستخدام.

والقدرة على التكيف والتعلم بسرعة، وامتلاك المهارات اللازمة لذلك، وإتقان التعامل مع تقنية المعلومات والتقنية المعتمدة على الحاسوب وتطبيقاتها في مجال العمل، والقدرة على التعاون والعمل ضمن فريق، وإتقان مهارات الاتصال اللفظية والكتابية والافتراضية، وامتلاك مهارات إضافية مميزة تختلف عن المهارات التقليدية في الأعمال الروتينية التي أصبحت نظم الأتمتة تقوم بها.

وإتقان أكثر من لغة حتى يمكن العمل في بيئة عمل عالمية، وإتقان العمل خارج حدود الزمان والمكان، والقدرة على إدارة العمل سواء كان ذلك في بيئات عمل تقليدية أو بيئات افتراضية.

والقدرة على تحديد الحاجات والرغبات الفريدة الخاصة بالمستهلكين الأفراد أو المؤسسات والإدارات، إذ لم تعد المنتجات/ الخدمات ذات المواصفات المعيارية الموحدة تناسب الجميع، والقدرة على التحرك بسرعة، والتغير بسرعة، والإحساس بضرورة الاستعجال في متابعة التغيرات وتلبية حاجات المستهلكين، ومعرفة الثقافة الخاصة بالمؤسسة وكذلك الثقافات الفرعية لبناها التنظيمية ومواردها البشرية لتسهيل التعامل وسطها، والوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة.

وللحديث بقية..