كثر الحديث خلال الأعوام الأخيرة سواءً في مصر أو خارجها عن الأزهر الشريف، وما يمكن أن يقوم به لمواجهة ما حاق بالإسلام والمسلمين من تشويه نتيجة أعمال العنف والإرهاب التي تقوم بها جماعات تنسب نفسها زوراً وبهتاناً لهذا الدين العظيم.

ولم يقف الأمر عند التساؤل البريء والمشروع حول الدور الواجب على الأزهر لإعادة الاعتبار للإسلام الحنيف، بل تعداه إلى مزاعم مغرضة واتهامات باطلة، حتى وإن كانت قليلة، للجامعة والجامع العريق ذي الألف عام، بأنه أحد منابع هذا الإرهاب المقيت الدموي.

والحقيقة أن لا سند واقعياً ولا تاريخياً يمكن له أن يدعم هذه المزاعم والاتهامات، بل إن العكس تماماً هو الصحيح.

فالأزهر بوسطيته التاريخية المتواصلة منذ تأسيسه قبل أكثر من ألف عام، وباستيعابه كل المذاهب الإسلامية تعليماً وتعلماً وفقهاً، وباطلاع طلابه وخريجيه الواسع على تفاصيل العلوم الإسلامية المختلفة من منابعها ومصادرها الأصلية، ظل دوماً عصياً على اختراقه من جانب تيارات التطرف والغلو التي يمثل الجهل بعلوم الإسلام وتفاصيل مذاهبه أبرز وسائلها لاختراق عقول الشباب المسلم حول العالم.

ومن بين الآلاف من شباب مصر الذين اجتذبتهم تنظيمات العنف والإرهاب منذ سبعينيات القرن الماضي، كان عدد أبناء الأزهر من طلاب وخريجين لا يتجاوز عشرات قليلة.

ومع تتابع عمليات القتل والترويع باسم الإسلام زوراً وبهتاناً منذ هذا الوقت في مصر ثم في العالم، ظلت قيادة الأزهر، وعلى رأسها كل شيوخه، حاسمة تجاهها، ترفضها وتدينها بلا مواربة وتعلن للمسلمين كل تبرؤها وبراءة الإسلام منها جميعاً.

وظل الأزهر وفياً لتاريخه العريق وتقاليده الوسطية المستقرة خلال التطورات الكبرى التي شهدتها مصر وعالمنا العربي كله منذ بدء الثورات العربية في نهاية 2010 وبداية 2011.

فقد ترافقت هذه الثورات مع تحول ظاهرة الإرهاب المنتحل صفة الإسلام من التطرف إلى مزيد من التطرف، فكانت ظاهرة داعش وأخواتها، التي أخذت مكانها إلى جانب القاعدة وفروعها وغيرهما من جماعات وتنظيمات العنف والإرهاب، لكي تحيل منطقتنا والعالم إلى ساحة فوضى وقتل غير مسبوقة، ولكي تسم الإسلام الحنيف بما ليس فيه، مما تدعو إليه كل تلك الجماعات من تبرير لسفك الدماء والتخريب والتدمير باسمه، فقد وقف الأزهر بكل مؤسساته منذ بدء هذه الموجة، وعلى رأسه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بحزم وحسم ضدها، وشارك بداخل مصر في كل الخطوات والمراحل التي شهدتها لإزاحة هذه الغمة والدفاع عن الإسلام وأبنائه وجوهره الحقيقي في مواجهتها.

وفي هذا الإطار وضع الأزهر استراتيجية شاملة للإصلاح والتطوير وإصلاح الخطاب الديني عموماً، يقع في القلب منها مكافحة الإرهاب. ولم يفرط الأزهر في استراتيجيته هذه في أي من ثوابت الإسلام الراسخة، ولا في قضاياه الكبرى التي يشهدها عالمنا اليوم.

ولم يكن الرفض القاطع من الأزهر لقرار الإدارة الأميركية الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الإسرائيلي، وإعلان شيخه الأكبر عدم لقائه نائب الرئيس الأميركي أثناء زيارته للمنطقة، سوى تأكيد عملي وسياسي على مواقف الأزهر الحاسمة تجاه قضايا أمتيه العربية والإسلامية.

وفي سياق محاربته الإرهاب وأفكاره وتأويلاته المنحرفة لثوابت الإسلام خلال السنوات الأخيرة، وضع الأزهر عديداً من الآليات التي تتناسب مع خطورة هذه المهمة ومع متغيرات العصر الذي نعيشه، وخصوصاً هيمنة تكنولوجيا الاتصال على العلاقات بين الأفراد والشعوب في مختلف مناطق العالم، ومنها مركز الأزهر للرصد والفتوى الإلكترونية للرد على فتاوى الدم، حيث ينشر بأكثر من عشر لغات ليصل لكل مناطق العالم الإسلامي.

إن الأزهر الشريف، مع كل ما يمكن أن يوجه إليه من نقد أو ما يفتقده من موارد وإمكانات أو ما قد يشوب أداءه من قصور، يظل منذ ما يزيد عن عشرة قرون، حصن الذود عن الإسلام الحقيقي ووسطيته ودعوته للسلام والعيش المشترك.