لطالما استغربنا كيف يرفع أحمد الطيبي الأذان في الكنيست الإسرائيلي احتجاجاً على منعه في القدس، وكيف تهاجم حنين الزعبي السياسة العنصرية الإسرائيلية، وكيف تصدى النواب العرب الآخرون في الكنيست لقرار ضم القدس والدفاع عن غزة. لكن تأكد بإقرار هذا الكنيست «البرلمان» قانون يهودية الدولة، أن سماح إسرائيل عبر السنين للعرب بالترشح للبرلمان لم يكن سوى قشرة هشة لإظهارها بأنها دولة ديمقراطية، والواحة الديمقراطية الوحيدة «المزعومة» في الشرق الأوسط، ما أكسبها تعاطف أوروبا وأميركا على مدى سبعين سنة.
فبعد نحو شهرين من نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المدينة عاصمة لـ «إسرائيل»، وفي ظل الحديث عن حلول إقليمية ودولية تستثني القدس، وتقدمها على طبق من ذهب للاحتلال، تقفز إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو، قفزة في الهواء نحو نهايتها، وتعري شجرة التوت من أوراق أخرى كاشفة عن عورة الهدف الصهيوني، بتسيّد العالم انطلاقاً من أسطورة «شعب الله المختار»!
«إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي».. هذا أبرز نص في قانون يهودية الدولة، الذي صدّق عليه بشكل نهائي الكنيست الإسرائيلي بموافقة 62 عضواً الأربعاء الماضي، ويتضمن القانون أن الحق في تقرير المصير والتعبير عن الهوية والتماهي مع الرموز القومية يقتصر فقط على اليهود، لتكون العبرية هي اللغة الرئيسة والوحيدة للكيان، بينما تلغى العربية بوصفها لغةً رسمية، وتصبح ثانوية.
تشدد بنود القانون على أن الرموز اليهودية والصهيونية هي الأساس في النشيد الوطني وعلم الكيان، مع منح الأفضلية للطابع اليهودي على النظام الديمقراطي، على أن يضمن التشريع لكل مواطن ودون تمييز، الحفاظ على ثقافته وتراثه، ويكون الكيان صاحب الحق في إقامة بلدات خاصة بالمجموعات الدينية وأبناء القومية الواحدة، وذلك في إشارة للمستوطنات.
رئيس الوزراء الإسرائيلي قال عن القانون إنه تشريع للعلاقة التاريخية ما بين الشعب اليهودي و«أرضه»، في زعمٍ منه أن أرض فلسطين التي استولى عليها الصهاينة قبل سبعة عقود هي أرضٌ لليهود...
ويؤكد القانون الخطر الوجودي الذي يواجه قرابة مليون ونصف مليون فلسطيني في الأراضي المحتلة، فهو يؤسس لفوقية قومية اليهود بالقاعدة الدستورية للتشريعات في «إسرائيل»، مع تهميش وإقصاء المكانة القانونية لفلسطينيي 48، وحرمانهم من أي امتيازات تشريعية. كما أن القانون يؤسس رسمياً لنظام الفصل العنصري وتطبيق نظام «الأبرتهايد» عبر تشريعات تمييزية بقوانين تمهد لإلغاء الوجود الفلسطيني في الداخل..
يعلق الكاتب بن وايت على القانون بمقال في «الإندبندنت»، بقوله إن «ذلك لم يكن قانوناً عادياً، ويضاف إلى مجموعة القوانين الأساسية التي تشكل ما يمكن تسميته شبه دستور، ويعرف القانون الجديد (دولة إسرائيل) بـ (الوطن القومي للشعب اليهودي)، ويضيف أن (حق ممارسة تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل حق خاص بالشعب اليهودي)».
من المُفارقات الدالة على الشرخ الخطير في الكيان الإسرائيلي أنّ الرجل الذي وضع قانون القوميّة العنصريّ هو النائب عن حزب «ليكود» الحاكم، آفي ديختر، الذي شغل في السابق منصب رئيس جهاز الأمن العّام «الشاباك الإسرائيليّ»، واليوم ينبري «وريثه» في رئاسة الشاباك، يوفال ديسكين، ليُعلِن جهاراً مُعارضته الجارفة لما يُطلق عليه قانون القوميّة، الذي سنّه الكنيست.
ففي مقالٍ نشره أخيراً بموقع «والا» الإخباريّ - العبريّ، قال ديسكين إنّ قانون القوميّة «ليس قانون قوميتي، وكمواطنٍ في إسرائيل، لا أُريد أنْ أكون شريكاً، ولو بصمتٍ، لهذا العمل الرجس والمؤذي»، لافتاً إلى أنه قانون مرفوض كلياً.
ورأى أنّ مُلخّص الحلم لدولةٍ ديمقراطيّةٍ أنْ تكون مفتوحةً أمام اليهود للعودة، وأنْ تعمل على تطوير البلاد من أجل جميع سكّانها، وتكون مبنيةً على أسس الحريّة، العدل والسلام، وتُطبّق المساواة الاجتماعيّة والسياسيّة لكلّ مواطنيها بدون فرقٍ دينيّ أو عرقيّ، وتضمن حريّة العبادة، واللغة، والتربيّة والتعليم، وتُحافِظ على الأماكن المُقدّسة لجميع الديانات السماويّة، شريطة أنْ تكون مُلتزمةً بالمبادئ التي وردت في وثيقة الأمم المُتحدّة.
لن يمضي وقت حتى تتعرى إسرائيل بالكامل أمام الرأي العام العالمي لتصبح أنموذجاً للعنصرية، ويسقط عن وجهها القبيح قناع آخر من أقنعتها التي تخفّت وراءها منذ إنشائها على أرض فلسطين.
كاتب أردني