في ديسمبر 1990م فتحت أبواب القاعة ليخرج العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، غاضباً من قمة مجلس التعاون الخليجية التي كانت منعقدة في الدوحة أثناء غزو العراق لدولة الكويت.
غضب الملك السعودي كان بسبب موقف ولي عهد قطر آنذاك حمد بن خليفة، الذي دفع بالموقف إلى إصرار قطر على مقايضة عوجاء عرجاء، تقضي بأن لا تتم مناقشة ملف تحرير الكويت إلا بعد إجبار البحرين على التنازل عن الجزر المتنازع عليها مع قطر.
هذا الموقف يعد مدخلاً لفتح ملف قطر في اليمن، فعلى الرغم من أنه لا توجد علاقات مثيرة بين اليمن وقطر إلا ما يتعلق بتأخر اعتراف جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية باستقلال دولة قطر فلا يوجد ما يذكر حتى صيف العام 1994م، ففي هذا التوقيت عادت قطر لتكون لاعباً مهماً في دهاليز السياسة والقبائل اليمنية.
في العشرين من فبراير 1994م تم توقيع وثيقة العهد والاتفاق بين شريكي دولة الوحدة اليمنية في العاصمة الأردنية عمّان برعاية الراحل الملك الحسين بن طلال رحمه الله، ولعبت الرياض دوراً بارزاً في تهدئة الأجواء التي كانت مشحونة بين صنعاء وعدن، إلا أن الأمور ذهبت إلى ما هو أسوأ بإعلان الحرب في 27 أبريل 1994م؛ هنا ظهر موقف قطري (شاذ).
فبينما كانت السعودية والإمارات ومصر تبذل الجهود الكبيرة لحقن الدم اليمني، جاء قرار مجلس الأمن الدولي (924)، الذي كان للسفير السعودي في واشنطن آنذاك الدور المحوري في صياغته وتمريره للتصويت، ليحمل دعوة للطرفين اليمنيين (الجنوبي والشمالي) لوقف الأعمال القتالية، بما يفوت الفرصة على المتاجرين بالدم اليمني.
وجاء هذا الموقف خطوة استباقية وإشارة مبكرة للدور القطري الخبيث الذي سيتنامى مع هذه الحرب.
تحت شعارات دينية تعززت حرب صيف 1994م، فصدرت فتاوى تكفيرية بحق اليمنيين الجنوبيين بادعاء أنهم ماركسيون، وبحسب شهادات موثقة عرضتها عدة قنوات إخبارية عربية.
فقد استعان نظام صنعاء بالأفغان العرب الذين تم استجلابهم إلى اليمن، وشكلت هذه الجزئية نقطة تحول ليس على مستوى اليمن، بل على مستوى الإرهاب الدولي الذي وجد للمرة الأولى في العالم العربي جغرافيا من الممكن الوجود فيها.
كان اليمن يعاني اقتصادياً، ولم يكن أمامه خيارات واسعة، وسواء أنه قبل بالصفقة القطرية المشبوهة أم لم يقبل بها فإن واحدة من الوقائع المهمة هي أن الأفغان العرب انتشروا في محافظات محددة (شبوة وأبين وحضرموت ومأرب والبيضاء)، ومن الملاحظ أنه في الفترة من (1993م ـ 1997م) تضاعف عدد الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية في المحافظات الجنوبية أربع عشرة مرة.
فمثلاً في محافظة حضرموت كان عدد الجمعيات الخيرية 11 مركزاً قبل حرب صيف 1994م، ووصلت في نوفمبر 1997م إلى 142 مركزاً وجمعية خيرية، وأظهرت بيانات مصرفية كشفت في منتصف العام 2017م أن تمويلات مالية كانت تأتي من عدة عواصم تقف خلفها شخصيات ومؤسسات قطرية.
عرفت اليمن منذ 1995م ظاهرة خطف السياح الأجانب، وشكلت هذه الظاهرة الثغرة التي من خلالها تم تمويل الخلايا الإرهابية التي نشطت بشكل كبير حتى جاء إعلان ظهور ما يسمى بـ«تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» بعد أن بدأت السعودية في إجراءات لملاحقة الإرهابيين الذين استهدفوا الرياض والخبر بعمليات إرهابية بين عامي 1995م و1996م .
فالتحق عناصر التنظيم بالمجموعات الموجودة في اليمن، وحاولت توظيف الأوضاع اليمنية المضطربة لتهديد الأراضي السعودية.
وانتهزت قطر عدة عوامل في اليمن للتغول في تركيبته السياسية والاجتماعية، والأهم أنها عملت على تمكين ما يسمى «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، محاولة جعله المهدد الأول لأمن المملكة العربية السعودية، فلقد كشفت الهجمات الإرهابية التي استهدفت المدن السعودية منذ العام 2003م أن اليمن تحول إلى بيئة حاضنة للعناصر الإرهابية المتطرفة،.
ولم تتوقف هذه العمليات الإرهابية التي بلغت أقصاها في محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف (أغسطس 2009م)، ما أكد وكشف مدى قوة تنظيم القاعدة في اليمن ومدى الملاءة المالية التي يمتلكها، والأغراض الخبيثة التي ترافقت مع الدخول القطري المريب إلى المشهد السياسي والاجتماعي اليمني.