قد يكون من السابق لأوانه التطرق لتداعيات المواجهة الإيرانية مع الولايات المتحدة التي ستبلغ ذروتها بعد الرابع من نوفمبر المقبل، حيث تُفرض المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية الأصعب حين تبدأ معركة البترول القاسية لأنها تحظر على إيران تصدير النفط والغاز، وتهدد الدول الأخرى بالعقوبات في حالة مخالفة ذلك. فلا أحد قادر على الرهان على مستقبل إيران ولا مستقبل الدول أو الأحزاب أو الحركات التي تدور في فلكها، فذلك مرهون بحجم هذه المواجهة وحجم الاستجابات الإيرانية على المستويين الحكومي والشعبي.
علاقات إيران مع شعوب المنطقة في غاية التعقيد. فحكام طهران يستلهمون آفاق رؤاهم الفكرية من سرديات التعالي الإثني والكراهية المذهبية التي ورثوها وعملوا على إدامتها وإذكاء أوارها، على الرغم من أنهم على وعي تام بأنها لم تكن في الماضي ولم تعد الآن صالحة لإقامة علاقات إيجابية لصالح إيران نفسها مع من يجاورها. فتسويق الماضي وأحقاده ليس بالخيار الأفضل للهروب من الحاضر وما يتطلبه من تفتح على الحياة وتبني الرؤى والمواقف التي تتناغم مع ذلك.
وصلت الولايات المتحدة إلى قناعة يشاركها فيها معظم الدول بأنه ليس لدى القيادات الإيرانية نوايا حسنة في بناء علاقات إيجابية مع جوارها ومع عموم الأسرة الدولية حتى لو وضعت توقيعها على تعهدات بذلك. فخطاب الرئيس الأميركي أمام الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن والعشرين من سبتمبر المنصرم لم يترك مجالا للشك حول مدى تصميم إدارته على مواجهة إيران في كل مكان امتدت إليه نفوذها في المنطقة وفي خارجها، بعد أن كرر اتهامه إياها بأنها الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم.
الحملة الأميركية للتصدي لإيران لها مداخل عديدة بأجندة عديدة وبفرص متباينة في النجاح، أحد مداخلها وساحاتها الهامة هو العراق، ربما بخيار الطرفين، خيار يسمح لإيران أن تستخدم ساحاته التي لها حضور فاعل فيها لإلحاق أضرار بالمصالح الأميركية عبر ميليشياتها من جانب والتنفيس عن ضائقتها الاقتصادية من جانب آخر، ويسمح للولايات المتحدة بحكم الاتفاقية الأمنية التي تربطها بالعراق أن تواجه التحدي الإيراني الأكبر لهيبتها، لذلك نشهد تسارعا في الخطوات الأميركية وتصعيدا في موقفها اتجاه إيران لجرها لحلبة الصراع في العراق وفق قواعدها، حيث أقرت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي مشروع قانون للتصدي للتدخلات الإيرانية في الشؤون العراقية.
ولم يمضِ سوى يوم واحد على ذلك حتى أصدرت الخارجية الأميركية تحذيرا لمواطنيها من السفر إلى العراق، وقررت إغلاق قنصليتها في البصرة بعد أن سقطت ثلاثة صواريخ بالقرب منها، وغادر دبلوماسيوها المدينة تحسبا لاعتداءات تطالهم. وكان الوزير بومبيو قد أصدر بيانا أعرب فيه عن مبررات قراره بالقول «منذ بضعة أسابيع ازدادت التهديدات لموظفينا ومرافقنا في العراق».
وتأتي هذه التداعيات بسبب تأزم العلاقات مع إيران وعدم استبعاد اندلاع صراع مسلح جديد ضد الوجود الأميركي في العراق تقوده الميليشيات التي تأتمر بأوامر طهران وسط تهديدات أميركية واضحة بالرد الفوري سواء جرى الاعتداء من قبل إيران مباشرة أو من قبل توابعها، وهو ما اعتبره الحشد الشعبي بمثابة تبريرات لتوجيه ضربة لقواته.
وفي ضوء هذه الاستعدادات الأميركية لمواجهة إيران في العراق يمكن تفهم امتداد التهديدات الإسرائيلية مكانيا لتضم العراق إلى جانب سوريا ولبنان في استهدافها للوجود الإيراني وميليشياته.
إيران من جانبها غير راغبة في خوض مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة التي هي الأخرى غير راغبة في ذلك بعد تجربتين أقل ما يمكن القول عنهما أنهما لم تكونا ناجحتين في أفغانستان والعراق.
ولكن اندلاع صدام مسلح محدود غير مستبعد كليا مع ميليشياتها في العراق أو معها مباشرة في مياه الخليج، خاصة أن النظام الإيراني سيحاول يائساً الدفاع عن نفسه وهو يشهد الطوق يزداد إحكاما على عنقه، إذ لا يزال في جعبة الولايات المتحدة المزيد من العقوبات المؤلمة.
من جانب آخر من غير المتوقع أن تخوض إدارة الرئيس ترامب حرب استنزاف طويلة الأمد مع إيران إذ ليس لديها الكثير من الوقت، فالرئيس لديه سنتان فقط في سدة الحكم إن لم يحصل على نتيجة إيجابية في المواجهة مع إيران قد يصبح مستقبل إدارته لدورة ثانية غير مضمون.
كاتب عراقي