أخيراً وبعد ما يقرب من مرور خمسة شهور على الانتخابات التشريعية العراقية، التي أجريت في مايو نجحت الكيانات السياسية في وضع الملامح الرئيسية للمرحلة المقبلة، فقد تم انتخاب الدكتور برهم صالح رئيساً للجمهورية وتكليف الدكتور عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة، على أن ينجز ذلك خلال ثلاثين يوماً حسب ما ينص الدستور.

الدكتور حيدر العبادي من موقعه رئيساً للوزراء أسهم كثيراً في إطفاء الطائفية، إذ لم يسجل موقفاً لإدارته حول ذلك، كما حقق نجاحات مميزة في الحرب على داعش عبر سعيه لتقوية الجيش العراقي، وعمل على تحسين العلاقات مع المحيط الإقليمي، إضافة إلى قضايا أخرى تحسب له، إلا أنه من جانب آخر ورغم وعوده وتكرارها لم ينجز شيئاً يذكر في القضايا التي تتعلق بملفات الفساد وبملفات الإعمار والبناء وحصر حيازة السلاح بالأجهزة الأمنية للدولة رغم أنه كان ينادي بكل هذه، ورغم أنه قد حصل على ميزة هامة وهي دعم محلي له وإقليمي ودولي لم ينجح تماماً باستثماره.

التوافق على ملامح المرحلة المقبلة يدخل في باب التسويات المؤقتة، فقد تركت عملية انتخاب رئيس المجلس النيابي ورئيس الجمهورية بعض الندوب على المشهد السياسي تجعل مهمة رئيس الوزراء ليست هينة، فالخلافات الحادة بين جناحي الكرد، التي اشتعلت في سياق انتخاب رئيس الجمهورية ستترك بهذا الشكل أو ذاك تداعياتها على المشهد السياسي الكردي وعلى عموم العراق.

كما أصبحت العلاقة بين بغداد وأربيل أكثر تعقيداً مما كانت قبيل انتخاب رئيس الجمهورية وهو ما يضع عقبات أمام رئيس الوزراء لرأب الصدع بين بغداد وأربيل، الذي ترتب على إجراء الاستفتاء الذي أجرته حكومة الإقليم في سبتمبر 2017. وقد أجمع كتاب عديدون تناولوا أوضاع العراق الحالية بالدراسة والتحليل من زوايا مختلفة على صعوبة المهمة، التي يتصدى لها عبد المهدي.

الظروف المحلية التي جاءت بعبد المهدي إلى رئاسة الوزارة تختلف عن تلك التي جاءت بسلفه قبل أربع سنوات، فدور المرجعية الدينية لم يكن في الدورات النيابية السابقة بالوضوح الذي بدا به في هذه الدورة.

عبد المهدي تسلم رئاسة مجلس الوزراء بتركة أقل ثقلاً مما استلمها سلفه العبادي، وهو من هذا المنظور لن تُقبل منه أعذار في التلكؤ في مواجهة الإصلاحات خاصة أن هناك ما يساعده على ذلك هو قدر من الرخاء المالي مع ارتفاع أسعار النفط.

ملفات عديدة تطرح نفسها بقوة، أبرزها إصلاح النظام السياسي والاقتصادي وإجراء التعديلات الضرورية في الدستور الذي بانت عيوبه وثغراته على مدى الدورات الانتخابية الثلاث السابقة. أما على المستوى الآني فالمطلوب من حكومته مقاربة ملفات الفساد والخدمات وانتشار السلاح بشكل أكثر جدية خاصة في المناطق الأكثر تضرراً وفي مقدمتها محافظة البصرة.

الدكتور عبد المهدي سياسي مخضرم على بينة أكثر من غيره في النخب السياسية حول تعقيدات المشهد السياسي العراقي بحكم ممارسته شخصياً أنشطة سياسية فعالة ومتنوعة واختزانه تبعاً لذلك لتجاربها السياسية والفكرية مما يجعله مقبولاً لديها ومتفهماً لمواقفها، فهو على بينة بأن المهمة التي يقوم بتحمل أعبائها ليست سهلة ولن تكون قراراته سالكة بالسهولة التي ربما يأملها، فمبدأ التوافق لا يزال حاضراً وفعالاً يفرض نفسه بقوة خاصة أن ليس لديه كتلة برلمانية تسنده بعددها أو تحالفاتها، فهو مهدد بمواجهات تنذر بالتفجر إن لم تكن متفجرة.

المجلس النيابي في انتظار سماع بيان عبد المهدي الوزاري إلا أن العيون مسلطة على الشخوص الذين سيختارهم، فهل سيتمكن من فرض رؤيته في معايير الاختيار بعيداً عن الاستحقاقات الانتخابية أم سيضطر في النهاية إلى الرضوخ للضغوطات وتكرار ما يحدث كل أربع سنوات، فالكيانات السياسية تتحدث عن الاستحقاقات الانتخابية وترجمتها في الكابينة الوزارية.

أبرز ما سيواجه عبد المهدي هو نفوذ «الدولة العميقة» وهي الدولة التي تعمل على إبقاء مفاتيح اللعبة السياسية في حوزتها، فبعد مرور ثلاث عشرة سنة من حكم حزب الدعوة أصبحت هذه «الدولة» قوية لا يستهان بها وفي ضوء خسارة هذا الحزب لرئاسة الوزراء ليس من المتوقع أن يُستقبل عبد المهدي وكابينته الوزارية بالترحاب.

 كاتب عراقي