يتابع الرأي العام العالمي ما تنقله وسائل الإعلام من تفاصيل حول قضية المواطن السعودي جمال خاشقجي الذي مات إثر شجار في القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع بشغف ودون ملل، مع أن القضية يفترض أنها لا تخص كل شرائح المجتمع وليست الوحيدة حول اختفاء شخصية معروفة عالمياً بفعل نشاطها الإعلامي، ولكن لم يصل اهتمام الناس في منطقتنا بحجم متابعة قضية خاشقجي التي سيطرت على الحديث اليومي في المجتمع.

ينتقل القارئ العربي من مربع الاكتفاء بالتغريدات والرسائل القصيرة التي ترصدها بعض المؤسسات إلى البحث عن التفاصيل من وسائل الإعلام التقليدية التي أعتقد أن عدد مقروئيتها ومتابعيها خلال هذه الفترة -الثلاثة أسابيع- زادت، ما يعني أن الإعلام التقليدي ليس خارج الخدمة الإعلامية كما يدعي البعض، بل لو أردنا التوسع في مسألة المقارنة بين الإعلام التقليدي والجديد فإن الذي قاد «المعركة الإعلامية» في هذه القضية هو الإعلام التقليدي، أما الإعلام الجديد فقد بدا أنه متأثر بما ينقله الإعلام التقليدي، الأمر الذي يؤكد أن هذا الإعلام يحتاج إلى إعادة الحسابات من قبل القائمين عليه.

أثبت القارئ العربي أنه ناقد جيد لما تنقله الصحافة، وأنه لديه القدرة على التمييز والاختيار فيما يقدم له من محتوى إعلامي، بل ألقى في هذه القضية وربما غيرها سابقاً اللوم ولو بطريقة غير مباشرة على الإعلاميين بأنهم السبب في تراجع مكانة الإعلام لدى القارئ فهو يبحث عما يجذبه ويلفت انتباهه ولم تعد المعلومة المجردة هي همه الأول، لأنه يستطيع الحصول عليها من المصادر التي باتت متعددة.

وإنما الأمر يحتاج إلى تحليلها وقراءة تأثيراتها بشكل منطقي ورصين، فالإعلام مدفوع القيمة، وإعلام العلاقات العامة، الذي يعتمد على إعداد الخبر من المؤسسات، وبالتالي إرساله إلى الوسائل الإعلامية لن يكون جاذباً للقارئ، لأنه يدرك أنه من أجل تحسين الصورة وأن كل شيء «على ما يرام».

من المؤسف جداً، سماع مقولة كانت تهمس حتى فترة بسيطة، ولكنها اليوم الكل يرددها وبصوت عال بمن فيهم الإعلاميون أنفسهم، أن الصحافة غير مقروءة في أيام الإجازات والعطل، باعتبار أن الأمر ليس بتلك الجدوى التي تجعل الإنسان يخسر بعضاً من وقته من أجل قراءة الصحيفة ومطالعة الأخبار، بل الأمر وصل إلى أن الجهات المعلنة تستبعد أيام العطل من نشر إعلاناتها لأن الناس لا تتابع الصحافة في هذه الأيام، والأكثر أسفاً أنه حتى إذا طالعها بعضنا يقول لم أجد ما يلفت الانتباه وليس فيها جديد!!.

أعادت قضية خاشقجي إثارة مكانة الإعلام التقليدي، وأثبتت أن على الإعلاميين عدم التذرع بأن الناس لم تعد متابعة للإعلام أو الإعلام التقليدي تحديداً إذا افترضنا أنه في أحسن الأحوال أنه يتابع وسائل التواصل الاجتماعي، وأثبتت تلك القضية أيضاً، أنه لا ينبغي التهرب من مناقشة القضايا التي تهم المجتمع بعدم وجود مساحة الحرية، على اعتبار أن التفاصيل الكثيرة التي تم تداولها كانت تعتمد على الآراء المختلفة وتقديم ما يروي فضول القارئ.

الحقيقة أن الإعلامي العربي فشل في جذب القارئ إلى ما يقدمه له من صناعة الأفكار تدفعه لأن يقضي وقتاً أو يشتري صحيفة بدلاً من استهلاك وقت الدوام للاطلاع عليها أو الاكتفاء بالمسجات والأخبار القصيرة.

هناك دروس قدمتها قضية الإعلامي السعودي جمال خاشقجي غير تلك التي باتت معروفة للجميع، وهي أن الإعلام اليوم هو يحدد من هو الرابح أو الخاسر في قضية ما، وأنه سلاح لا يمكن التهوين بأهميته، فقد أكدت قضية خاشقجي أن الإعلام التقليدي ما زال له «مكانته» إذا كان المحتوى الذي يحمله يقدم جديداً، فعلى الإعلاميين إعادة الحسابات بدلاً من أن نردد ما يكرره البعض أن الناس لا تقرأ، فالمسألة نسبية لا أكثر، ولكن الأزمة الحقيقية.. المحتوى.