الحدث في ذاته مهم، والتوقيت والظروف التي يتم فيها، تمنحه أهمية مضاعفة. أضخم تدريب عسكري عربي مشترك، يتم الآن في مصر، وبمشاركة قوات برية وبحرية وجوية، وعناصر من الدفاع الجوي والقوات الخاصة لكل من مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن، كما تشارك كل من المغرب ولبنان بصفة مراقب.

الحدث العسكري المهم، يتم بالقرب من الحدود الغربية لمصر، في قاعدة محمد نجيب المطلة على البحر المتوسط، وفي المناطق المحيطة بها براً وبحراً، ويتم التدريب المشترك الذي يحمل اسم «درع العرب 1»، في ظروف بالغة الدقة، تمر بها المنطقة كلها، حيث تتزايد المخاطر من استمرار الحروب على الأراضي العربية، ومن سلوك عدواني لقوى إقليمية، تريد مد النفوذ على الأرض العربية، وإثارة الفتن وضرب الاستقرار في المنطقة.

وحيث ما زالت مخاطر عصابات الإرهاب موجودة، والدعم الخارجي لها يمنحها القدرة على مواصلة نشاطاتها الإجرامية، وحيث تتزايد مخاطر تصاعد الصراع الدولي وعودة الحرب الباردة بين القوى الكبرى، التي تتخذ من منطقتنا ساحة لتصفية حساباتها، أو لتأكيد سطوتها في عالم يمر بمرحلة من أخطر مراحله، يتم فيها هدم أركان النظام العالمي، الذي استمر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. بينما النظام الجديد في طور التكوين، الذي لن يتم إلا بعد حسم صراعات عديدة، ورسم خريطة الطريق لتأمين مصالح القوى الكبرى.

ولعل الدرس الأكبر في تجربة السنوات الماضية، كان الوعي الصحيح والصادق، بأن أحداً لن يحمي الأمن العربي إلا العرب أنفسهم، وأن أي قوة خارجية لن تستطيع حماية نظام أسقطه شعبه، ولن تستطيع أن تفرض حكم جماعة خائنة وعميلة على شعب يرفضها، أمن الوطن العربي لا بد أن يكون مسؤولية العرب. وهذه المسؤولية تقتضي بناء القوة العربية القادرة على القيام بمهامها، مهما كانت الصعاب.

والدرس الذي بدأ بإسقاط حكم الإخوان لمصر، واستعادتها لدورها العربي، ثم امتد للوقوف في وجه الهجمة الإيرانية، التي تريد أن يكون اليمن مدخلاً لتهديد أمن المنطقة.. لا بد أن يتسع لمنع أن تتحول سوريا المنكوبة إلى دولة تحت الاحتلال الدائم، وإلى إنقاذ الوضع في أوطان عربية أخرى، تتعرض لمخاطر التدخل الخارجي والإرهاب المدعوم والاقتتال الداخلي.

ومن هنا، تأتي أهمية «درع العرب 1»، التي تشارك فيها القوى التي تحملت في السنوات الماضية مسؤولياتها ضد الإرهاب والتدخل الخارجي، ومحاولات إسقاط الدولة، ونشر الفوضى التي لم تكن يوماً «خلّاقة»، كما زعم من خططوا لها وأشرفوا على محاولات وضعها موضع التنفيذ، في طول الوطن العربي وعرضه!!

من أقصى غرب مصر، ومن على شمال المتوسط، ترسل «درع العرب 1» للجميع في هذه الظروف الدقيقة، عدة رسائل مهمة وخطيرة:

** تقول «درع العرب 1»، إن الأشقاء العرب قد تعلموا الدرس، وأنهم يدركون جيداً أن الأقوياء وحدهم هم القادرون على حماية أوطانهم، وأن من تحملوا مسؤولياتهم في أخطر الظروف، سوف يواصلون العمل معاً ضد المخاطر التي تواجههم.

** وتقول «درع العرب 1»، إن الوعي كامل بأن الأمن العربي لا يتجزأ، وها هي القوى الرئيسة في الخليج العربي، تشارك في هذا التدريب العسكري الأهم في البحر المتوسط. والرسالة واضحة، أمن الخليج لا ينفصل عن أمن مصر.

والطريق من المتوسط إلى آخر نقطة في الخليج، لا بد أن تكون مؤمَّنة. والشراكة العربية قادرة على تأمين قناة السويس والبحر الأحمر والخليج، ومدركة أن عليها أن تقطع كل يد تمتد بالتهديد لمضيق هرمز أو لباب المندب.

** وإذا كانت الدول العربية في المتوسط، قد قالت كلمتها في قضية الهجرة، وتحملت مسؤولياتها كاملة، لكنها رفضت الاقتراحات الأوروبية بإقامة مراكز للمهجرين الأفارقة على الساحل الجنوبي للمتوسط «أي البلاد العربية».. فإنها أيضاً ترسل هنا رسالة مهمة بهذا التدريب العسكري المهم، الذي يتم بالقرب من حدود مصر الغربية مع ليبيا، لتقول إنها الجهد المصري والليبي لضرب عصابات الإرهاب، واستعادة الدولة الليبية لوحدتها وسلطتها على أراضيها، وأنها ترفض التدخل الأجنبي هنا، كما ترفض في اليمن وسوريا والعراق وأي قطر عربي آخر.

** ولعل الرسالة الأهم هنا، هي أن الشراكة المطلوبة للحفاظ على الأمن العربي، لا بد أن تقوم على الثقة الكاملة، وعلى احترام علاقات الأخوة والانتماء العربي. وأن هذه الشراكة لا يمكن أن تتسع لمن تآمر على الأشقاء، واحتضن الإرهاب، واستخدم موارد بلاده وأموال شعبه لدعم محاولات ضرب استقرار دول عربية شقيقة، وأنها أيضاً لا تتسع لمن يرى في أعداء الوطن العربي حماة لنظامه، ولمن يرى في الذين يحاولون بسط نفوذهم على الخليج العربي، أو الذين يريدون اقتطاع أجزاء من سوريا، أو إيجاد مكان لهم في ليبيا.. حلفاء له؟!

في «درع العرب 1»، رسالة بأن الدول الداعمة للإرهاب لا يمكن أن تكون جزءاً من الحرب عليه!! وبأن نظاماً مثل نظام «الدوحة»، لا يمكن أن يكون شريكاً في الحفاظ على أمن المنطقة، الذي تآمر عليه، وحرّض ضد دوله العربية الشقيقة، ودعم عصابات الإرهاب الداعشي.. ولا يزال!!

وفي «درع العرب 1»، رسالة تتأكد يوماً بعد يوم، بأن الوعي بتجربة السنوات الصعبة، يفرض أن يكون حفظ أمن واستقرار الوطن العربي، مسؤولية عربية خالصة. نتعاون مع كل القوى الكبرى، دون أن نكون طرفاً في حرب باردة جديدة، أو في صراعات الكبار على مناطق النفوذ.

قبل أيام من «درع العرب 1»، كانت مصر تختتم مناورات مشتركة مع روسيا، وكانت أميركا تعود للتعاون في مناورات «النجم الساطع». وفي «درع العرب 1»، ستكون هناك الأسلحة المتقدمة المشتراة من روسيا وأميركا، إلى جانب المدمرات الروسية الصنع، والغواصات الحديثة، التي حصلت عليها مصر من ألمانيا، حتى من أخطؤوا ذات يوم ومنعوا السلاح عن مصر بعد إسقاط حكم الإخوان، الذين راهنوا عليه بالخطأ.. عادوا إلى الموقف الصحيح.

رسائل «درع العرب 1» كثيرة.. لكن سيبقى الأهم فيها، أن نثق في أنفسنا، وأن ندرك أننا قادرون على مواجهة التحديات، وعلى أن نحقق أمناً عربياً بأيدي العرب، وسلاحهم، وبتحملهم للمسؤولية الصعبة في زمن التحديات.