ذكرتنا الحادثة الإرهابية التي وقعت في منطقة المنيا بجمهورية مصر العربية يوم الجمعة الماضي والتي ذهب ضحيتها عدد من المواطنين المصريين الأقباط وأصيب تسعة عشر آخرون بجروح.
ذكرتنا تلك الحادثة بمؤتمر كان قد عقد مؤخراً حمل عنوان «محاربة التطرف بالفكر» على اعتبار أن هذه الآفة التي ابتليت بها المجتمعات العربية بشكل خاص أساسها ما يحمله بعض الأطراف من أفكار تجاه الآخر والمصيبة أن هذا الآخر يكون في أحيان كثيرة من مواطني البلد نفسه مثلما حدث في الحادثة الأخيرة في مصر وغيرها من الأحداث حيث كانوا قد انتهوا من إقامة شعائرهم الدينية.
هناك رأي يقول إن الجانب الفكري في محاربة التطرف لم يأخذ حقه من الاهتمام والرعاية بل إنه أهمل كثيراً رغم أهميته كونه أساس المشكلة إلا مؤخراً مع أن الكثيرين من صناع القرار يدركون أنه يستحق الاهتمام على اعتبار أن هزيمة الجماعات المتطرفة معناها قطع منابع تزويد جماعاتها بمن يؤمنون بأفكارها «العابرة للحدود» .
والتي تأذت بها الدول الإسلامية والعربية أكثر من المجتمعات الأخرى، بل إن المتغير الجديد في المشكلة أن هذه الجماعات بدأت تلقى دعماً إعلامياً وسياسياً بل مالياً.
الملاحظ أن هذه الجماعات تختفي أحياناً ولكنها تعود مرة ثانية لتظهر على الساحة على اعتبار أساس أن «النبتة الشيطانية» لهذه المشكلة موجودة وتظهر متى وجدت الدعم والفراغ، والعملية الإرهابية في «ألمنيا» الأخيرة خير دليل.
حيث كانت قد حدثت مثلها قبل عام بالطريقة نفسها، بل إن الحديث عن عودة تنظيم «داعش» وهو واحد من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم إذ بدأ يعود مرة ثانية في مناطق مختلفة من الأرض العربية ما يعني أن آثاره موجودة وهذا لا يقلل من أهمية الهزيمة العسكرية والقبضة الأمنية ولكن المعنى أن تساير الخطين (الأمني والفكري) أظن أن النتيجة ستكون أفضل.
ليست هناك أية علاقة بين التطرف ولا بديننا الإسلامي ولا بمنطقتنا الجغرافية التي يطلق عليها اليوم أنها أخطر منطقة في العالم، ولم تكن الاختلافات الدينية والطائفية والمذهبية موجودة أصلاً، بل إن ما قدمه الإنسان المسلم والعربي للحضارة الإنسانية يفخر به العالم.
ولكن مشكلتنا إدخال التيارات الدينية السياسية كوسيلة ومنهج لتحقيق طموحاتهم فخلقت فكراً مشوهاً ومنحرفاً لا يرى غيره المختلف عنه دينياً وطائفياً سوى أنه «عدو» ينبغي التخلص منه باسم الدين الإسلامي أو العمل على نشر الفوضى للصعود.
وهو ما يدعو إلى الغضب متناسياً عن قصد أن الدولة الإسلامية خلال العصور السابقة كانت تمثل مظلة للجميع وبسببها حققت الكثير من الإنجازات، وعلى هذا الأساس فإن مواجهة تلك «الآفة المجتمعية» تكون بمواجهتها بالفكر باعتباره واحدة من أفضل الوسائل للقضاء عليها.
ولو تتبعنا الأزمنة التي كانت الناس فيها تتعايش مع بعضها سنجد أن المجتمعات لم تكن تعاني من وجود تنظيمات سياسية تستغل الدين لخلق الفوضى كي تصل إلى السلطة أو أنها تخدم أجندات تابعة لدول أخرى مثلما يحدث الآن.
كما أن هذه التنظيمات كانت تغير طريقتها في تنفيذ عملياتها الإرهابية وفق تكتيكات تناسب وحالة التشدد الأمني والعسكري، إما أنها تقوم وفق نظرية «الذئاب المنفردة» أو الاختفاء والتهدئة لتحين الفرصة المناسبة.
ربما يعتقد البعض أن التركيز على الجانب الفكري يعني ضعفاً في مواجهة الإرهاب والتطرف، أو أنه قد يفهم خطأ من الإرهابيين أنه تراجع عن المواجهة وفشل من الحكومات العربية، لكن في الحقيقة هو «القوة الناعمة» لكنها الحادة والممتدة وذات التأثير الأكبر على المدى البعيد، لأنها تستخدم أسلوب «التنشيف» و«التجفيف» من تزويد تلك التنظيمات الإرهابية بوقود فكري.
اقتصار أسلوب مواجهة الإرهاب والتطرف على الجانب الأمني والعسكري فقط يبدو أنه ناقص وغير مكتمل، بل إن البعض يعتقد (وأنا منهم) أن بداية علاج مشكلة عميقة خربت تماسك المجتمعات العربية والإسلامية وأساءت لإنجازات أبناء المنطقة في الحضارة الإنسانية تبدأ من المعالجة الفكرية.
* كاتب إماراتي
sowafi@hotmail.com