بعد ساعات فقط من إطلاق وزيري الدفاع والخارجية في الولايات المتحدة، دعواتهما لوقف الحرب في اليمن، وبدء حوار سياسي في العاصمة السويدية ستوكهولم، بدأت عمليات عسكرية تستهدف عودة الشرعية إلى كافة الأراضي اليمنية ووقف مراوغة الحوثي بشأن محادثات السلام.
ويتعين هنا أن لا تتجاوز الدعوات الأميركية لوقف الحرب، ووضع الخطوط العريضة لمناطق منزوعة السلاح، المرجعيات الأساسية للحل السياسي، وأن لا تمنح مليشيا الحوثي مكافأة غير منتظرة، ليس فقط على انقلابهم السياسي، بل على تدمير اليمن، وهتك النسيج الاجتماعي والسياسي، وإغراق اليمن في الفوضى والمجاعة والفقر، بسبب سطوتهم على الحكم بالقوة.
من المفهوم أن الولايات المتحدة تحاول إثبات نجاعة استراتيجيتها في التعامل مع إيران، بعد انسحابها من الاتفاق النووي في مايو 2018م، ودخول الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر الجاري، البيت الأبيض، الذي وضع استراتيجية محددة تربط بين الاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي الإيراني، وقطع الأذرع الإيرانية في الدول العربية.
يرى في اليمن فرصة مواتية، يمكن من خلالها أن تظهر إدارة الرئيس دونالد ترامب نجاحها السريع في تطبيق الاستراتيجية الأميركية، وإن كان بالفعل اليمن يعد هو الحلقة الإيرانية الأضعف، مقارنة بحزب الله في لبنان، أو الحشد الشعبي في العراق، أو المليشيات الإيرانية المختلفة في سوريا، ولكن هل تدرك الولايات المتحدة، مخاطر ما ستذهب إليه بمكافأة الحوثي، ومنحه حصة لا يستحقها في اليمن؟.
مع إعلان السعودية إنشاء التحالف العربي لاستعادة الشرعية اليمنية، أكدت الرياض أن العملية العسكرية «عاصفة الحزم»، تهدف بالدرجة الأولى لاستعادة المسار السياسي، وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهي المسار المتوافق عليه يمنياً وإقليمياً ودولياً، عبر الدول التسع عشرة الراعية لهذه المبادرة.
وعلى ذلك، فلقد استجاب التحالف العربي لكافة الطلبات، وقدَّم أكثر من سبع هُدن في سنوات الحرب، وفي كل مرة يمنح فيها الحوثيين هُدنة، يخترقونها ويقومون بتعزيز مواقعهم العسكرية في الجبهات، إضافة إلى استغلالهم للمعونات الإنسانية، وتحويلها لما يسمونه بالمجهود الحربي، ما أسهم في إفشال كافة المشاورات السياسية جنيف الأولى والثانية، وكذلك مشاورات الكويت، وغابوا عن مشاورات جنيف الأخيرة بذرائع واهنة.
يُحسب للسعودية والإمارات، أنهما منحا فرصة للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، لأكثر من ستة أشهر، في ما يتعلق بالعملية العسكرية في الحديدة، وهي التي قدّم فيها مارتن غريفيث مبادرة لانسحاب الحوثي من الميناء، ورفض الحوثيين طلبه، وتمسكوا بالتصعيد، عبْر منع سفن الإغاثة من تفريغ حمولاتها، في منهجية حوثية تُفضي لتجويع المدنيين.
والمراهنة على العامل الإنساني بأن يُشكل عنصراً ضاغطاً على التحالف العربي، الذي تحمّل خلال أشهر طويلة، حصار الحوثيين في جنوب الحديدة، والعمليات المستمرة في مناطق حيس والتحيتا وبيت الفقيه، وغيرها من المناطق الذي أراد فيها الحوثيون أن تكون مناطق استنزاف، بينما واصل الحوثيون كافة الانتهاكات، باستهدافهم المدن السعودية بإطلاق الصواريخ البالستية، والطائرات من غير طيار، لإيقاع خسائر بشرية في المدنيين.
وبينما لم تتلقَ مليشيا الحوثي إدانة دولية، أو حتى تعاملاً صارماً من قبل المجتمع الدولي، جاءت الأفكار الأميركية لتقدم للحوثيين طوق نجاة، لكنهم رفضوا مجدداً الأفكار الأميركية، بينما رحّب التحالف العربي والحكومة الشرعية بالدعوات الأميركية، حتى وإن كانت لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح اليمنيين والأمن القومي العربي، لكنها تبقى دعوات تثبت الأهداف الرئيسة بإيجاد حلول سياسية توقف الحرب، وتضع حداً لمأساة ملايين السكان اليمنيين، الذين دفعوا الثمن لجنون الحوثيين على مدار أربع سنوات.
حوار البنادق الذي انطلق في جبهات الحديدة وصعدة والبيضاء، هو الحوار الذي يعرفه الحوثيون تماماً، فلن يرضخ الحوثي لحوار سياسي يُفضي لحلول حقيقية، بدون أن يهدم المعبد على رأسه.
وتنتهي خرافة الكهنوت التي يرتكز عليها، ويحاول من خلالها تحقيق مكاسب لوجود سياسي، يؤسس لدولة طائفية شمالي اليمن، ستبقى تهدد الجزيرة العربية وتستنزفها، وتعمل على إثارة النعرات بكافة أشكالها ومضامينها، فبدون أن يتحطم المعبد الحوثي، لن يكون في اليمن نظام سياسي مستقر، حتى وإن بحثت الولايات المتحدة عن فرصة دعائية لاستراتيجيتها، على حساب شعب دفع ثمناً باهظاً في هذه الحرب المجنونة.