من منطلق تجربتي التي تزيد على نصف قرن في دولة الإمارات وتحديداً من دبي التي بدأت مسيرتي المهنية منها في عهد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي حظيت بشرف ثقته ودعمه وتوجيهه.
وكوني تشرفت كذلك وعلى نفس القدر بلقاء ومتابعة مسيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فإنه وانطلاقاً من كل ذلك أود أن أبدي اجتهادات متواضعة حول «المبادئ الثمانية لدبي» التي أصدرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد والتي تمثل كما جاء في الفقرة المقدمة لها وصفاً للحكم الرشيد، والذي يلتزم بمبادئ المسؤولية والإنصاف، ويعتمد على استمرارية المبادئ التي تعزز ثقة المواطنين بها.
المبدأ الأول:
الاتحاد هو الأساس
يرسخ هذا المبدأ قيم الالتزام الوطني ويجعل من دبي نموذجاً لكل مدينة أو محافظة أو إمارة في العالم وفي وطننا العربي تحديداً بأن مصلحة الدولة يجب أن تكون الهدف والأساس ويجب أن تتقدم على مصلحة المدينة أو المحافظة أو الإمارة. هكذا تبني الدول الانتماء والولاء وتجعل كل من في الدولة يسعد بنجاح أي جزء آخر فيها لأن مصلحة الجميع هي الأساس وهي فوق كل مصلحة محلية.
المبدأ الثاني:
لا أحد فوق القانون
خلال أكثر من نصف قرن من الممارسة والخبرة في دبي شاهدت بوضوح تطبيقاً صارماً لسيادة القانون في الإمارة ليس فقط في ما يتعلق بمصالحنا الخاصة كمجموعة. فنحن في ممارستنا الطويلة لم نجد أنفسنا في موقف فيه تمييز أمام القضاء بين أي من أطراف نزاع.
المبدأ الثالث:
نحن عاصمة للاقتصاد
لقد أحسنت دبي بتوجيه من قائدها بأن اختارت رؤيا لها ولدورها كعاصمة اقتصادية. وقلت مراراً إن الاقتصاد هو المحرك للسياسة، وإنني لم أر في ممارساتي الدولية قراراً سياسياً لم ينطلق من أهداف اقتصادية أو يهدف لتحقيق مصالح اقتصادية. وأود أن أقول بكل جرأة إنه ليس هنالك قرار سياسي إلا لأسباب اقتصادية. ولعل أحد أهم أسباب تميز دبي وتفوقها هو أنها اختارت الاقتصاد وصفاً لها.
المبدأ الرابع:
النمو له محركات ثلاثة
إن ثلاثية الحكومة والقطاع الخاص والقطاع شبه الحكومي بما في ذلك المجتمع المدني تثبت فهماً واضحاً لصنع الثروة والتنمية المستدامة التي هي نتائج الشراكة الحقيقية، وعلى قدم المساواة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص.
ونحن كمجموعة نفخر بأننا جسدنا هذا النموذج في اتفاقية شراكتنا مع اقتصادية دبي لغرض تقديم أفضل الخدمات الحكومية في نادي دبي للأعمال بحيث يتم تقديم خدمات ذات قيمة مضافة تلبي وتفوق احتياجات مجتمع الأعمال من خلال بناء شراكة استراتيجية مع القطاع الخاص من ذوي الخبرة في المجالات الاقتصادية والإدارية المختلفة ما يساهم في التميز والارتقاء بأداء بيئة الأعمال وفق أفضل الممارسات العالمية وتعزيز الاستثمار في القطاعات المختلفة.
المبدأ الخامس:
مجتمعنا له شخصية متفردة
لقد صدق هذا المبدأ بأن أوضح لكل مجتمع خصوصيته. ولا يجوز أن نسعى لأن نكون تكراراً أو تقليداً لأي مجتمع آخر. ولأن مجتمع دبي قد اختار التميز والعمل والانضباط والالتزام بالعهود والتواضع ومواجهة التحديات وعمل الخير والانفتاح والتسامح فقد أصبحت دبي في مقدمة المجتمعات السعيدة حسب تصنيف الأمم المتحدة.
المبدأ السادس:
لا نعتمد على مصدر واحد للحياة
كان لتنويع الاقتصاد ومواكبة احتياجات التغيير مع الثبات على المبادئ وانتهاج سياسة إبداع خدمات وقطاعات اقتصادية بصورة مستمرة كان له الفضل في استدامة قوة اقتصاد دبي.
المبدأ السابع:
أرض للمواهب
لا أقولها من باب الثناء، بل لإحقاق الحق إن والد الموهوبين في دبي هو قائدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد. وأذكر لسموه تصريحاً منذ سنوات أعلن فيه أن نهاية السنة قد اقتربت وأن كل مسؤول لم يبدع في مجال مسؤوليته سوف يجري إعداد حفلة تكريم وداعاً له.
إن هذا هو الفهم الصحيح للإبداع، الإبداع ليس في الحاضنات فقط ولا في مراكز الأبحاث فقط ولا في المؤسسات العلمية فحسب، بل إنه مسؤولية كل فرد في المجتمع وليس فقط كل مسؤول.
إن هذا ما جعل دولة مثل فنلندا تحقق ناتجاً قومياً ودخلاً للفرد أعلى من ذلك في الدول الصناعية والنفطية لأنها اعتمدت مبدأ التحول الشامل والكامل لتصبح دولة معرفية ومجتمعاً معرفياً كل ما فيه تحركه الإنترنت كما يحرك الجهاز العصبي كل أعضاء جسدنا.
إن كل أرض في الدنيا يمكنها ويجب أن تكون أرضاً للمواهب وما يميز دبي أنها اتخذت هذا القرار.
المبدأ الثامن:
نفكر في الأجيال
إن الاستثمار في المستقبل وتكوين أصول استثمارية من أجل الأجيال القادمة هو أمر مقدر وهام واجتهادي والذي يؤمن به أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يعني أن الاستثمار هو في تغيير نظامنا التعليمي لينتقل من هدف تخريج باحثين عن العمل لينتج مخترعين يقيمون مشاريع العمل ويوظفون غيرهم بدلاً من البحث عن الوظيفة.
إن الانتقال إلى نظام تعليم يخرج مخترعين هو النظام الأفضل لضمان المستقبل، وغني عن البيان أنه في عصر ثورة المعرفة الذي يدخله العالم الآن فإن صنع الثروة هو من خلال صنع المعرفة، والدليل على ذلك أن أكبر 5 شركات حجماً في العالم هي شركات معرفية وليست شركات نفطية أو مالية أو عقارية أو صناعية أو تجارية.
* مؤسس ورئيس مجموعة طلال أبو غزالة الدولية