«قصتي». كتاب وضعنا أمام حالة دهشة نادرة. فصاحبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء ، حاكم دبي ،رعاه الله، يثبت لنا مع كل تجربة أنه رجل مختلف. خلاق قادر على صناعة المفاجأة والبناء.

متجدد دائماً. مواكب للعصر. رجل دولة من العيار الثقيل، أصقل نفسه بالعلم والمعرفة، فاختار لنفسه المقعد المناسب، وقع على بياض مع النجاح في بنوك الوطنية، ووضع المستقبل وديعة تصرفها الأجيال المقبلة، رصيده في قلوب الناس، وثيقة تأمين للقائد الحكيم.

الإبحار في عمق كتاب «قصتي» يؤكد أن هذه الأوراق والمذكرات تضعنا أمام أحد أبرز النماذج القيادية في العالم، فمن يستطع أن يقود مهام وطنية منذ ما يقرب من نصف قرن، يستحق بجدارة أن يتبوأ هذه المكانة المتميزة في العالم.

فمن بين أوراقه الخالدة التي دونها ليبهرنا بها في سطوره، بأسلوب كتابة فريد من نوع السهل الممتنع، تلك الأوراق التي صاغها بمناسبة مرور 50عاماً على توليه أول منصب داخل الإمارات.

«قصتي» للشيخ محمد بن راشد، حمل العديد من المواقف التي جمعته مع رؤساء الدول العربية سواء الحاليين أم السابقين، من بينهم الرئيس الراحل صدام حسين، والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي والرئيس السوري بشار الأسد، يتنقل «بو راشد» بنا عبر شواطئ قصته ليتوقف أمام اليوم الذي ذهب للقاء صدام حسين عام 2003، في محاولة أخيرة لتجنيب العراق الغزو العراقي الوشيك، مستعيداً تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين صدام مطالباً له بالرحيل عن العراق، حماية لبلده وشعبه، ثم يسترجع هذا اللقاء ويقارنه بما حدث بعد الغزو ليغرس حبر قلمه ويؤكد أنه لم يبق العراق كما كان، ولم تبق المنطقة كما كانت، هكذا كانت نصيحة حاكم دبي للرئيس العراقي، وهكذا جاءت النتائج على الأرض.

أما الحكاية التي لا يمكن فصلها أيضاً عن عراق الماضي وأمة الحاضر، تلك التي جمعته في دبي عام 1999، مع الشاب بشار الأسد قبل أن يصبح رئيساً، إذ اصطحبه يومها في جولة بدبي، بعيداً عن الرسميات وبشكل مفاجئ أخذه في سيارته بعيداً عن أعين الوفد المرافق وتجولا في أحد المولات، وهنا وفي هذه اللحظة لمع الحلم، حلم الشاب بشار الأسد في استنساخ تجربة دبي إلى بلاده.

إلا أن التاريخ كانت له وجهة نظر أخرى، ودخلت سوريا في حروب مدمرة، لكن قدرة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على مد جسور الأمل قادته، لأن يسطر بقلمه اليقين بأن الشعب السوري الذي استطاع بناء أربعين حضارة على أرضه قادر على بناء حضارة جديدة.

«قصتي» كان أميناً في الاحتفاظ بكل هذه الأسرار، كأنه كان على موعد مع أقدار ما يحدث في المنطقة، وكأن كلماته اختارت التوقيت المناسب الذي تخرج فيه إلى النور للقارئ العربي، فمن العراق إلى سوريا إلى ليبيا، حيث اللقاء المثير للجدل مع الرئيس الليبي معمر القذافي.

اللافت للنظر بقوة في «قصتي» هو الوصايا العشر للإدارة الحكيمة، فقد استهل هذه الوصايا بخدمة الناس منحازاً بكل حسم ووضوح لإنصاف البشر وخدمة المجتمع، أيضاً كان سموه حكيماً في وصيته بعنوان: «ضع خطتك» ففي رأيه عندما لا تخطط فأنت تخطط للفشل، فدور القائد الأساسي هو معرفة الاتجاه وإرشاد فريقه نحوه وتحفيزهم باستمرار للوصول إليه، وأنه إذا أخفقت في وضع خطة فأنت تسير بغير هدى ولا يهم أين تصل لأنك لن تصل إلى شيء ذي قيمة.

لقد بلغ الإبداع مداه في وصايا «بو راشد» للإدارة. فكان سموه موفقاً بامتياز، وهو يسرد برشاقة وعمق ويجوب بنا فضاء النجاح بعناوين أخرى مثل: «ضع فريق عملك»، و«تواصل وتفاءل» و«ضع قادة»، «لا تعبد الكرسي»، «راقب نفسك»، «ابتكر أو انسحب»، «لا تكن من غير منافس»، «انطلق لبناء الحياة»، نعم هذه الوصايا وهذه الذكريات وهذه الأسرار والحقائق، إنما هي دليل لمن يبحث عن القيمة.

وإذا كنتم سمو الشيخ محمد قد كتبتم نص هذا الإهداء كما يلي: «إلى ابني وعضدي وصديقي حمدان بن محمد حكيت لك الكثير من تجاربي، وتركت بعضها لأسردها لك هناك. فهنا خمسون قصة، تمنياتي لك بقراءة ممتعة المحب لك دوماً. محمد بن راشد آل مكتوم».

فاسمحوا لنا أن نكتب إلى سموكم وإلى ابنكم وصديقكم حمدان وإلى التاريخ هذا الإهداء بعنوان:( قصتي.. هي حكاية أمة)