ليس من السهل أبداً إحراز الفوز بعد الفوز في عالم يعج بالمنافسين الأشداء والمتحدّين الألداء، ويضجّ بالغيورين، ولكننا نقول كما قال الشاعر:

وإذا العناية لاحظتك عيونها

نَم فالمخاوف كلهن أمان

نعم... عناية الله سبحانه وتعالى أوّلاً، ثم صفاء القلب وصلاح النية والأخذ بالأسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم، عندما قال عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم جميعاً: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا». فقد تتبع صحابي آخر هذا الصحابي في بيته ثلاثة أيام بلياليها ليعرف السبب، فلم يجده أكثر منه صلاة ولا أكثر منه صياماً، فقال له يا هذا بمَ فضلك الله علينا، وبشّرك رسوله بالجنة، فقال: لا أدري، عبادتي كما ترى، ولا عمل لي أذكره لكني رجل لا أحقد على أحد، فقال له الصحابي هو هذا صفاء القلب.

أجل... نية المؤمن خير من عمله، وإننا في دولة الإمارات رزقنا بقيادة صالحة من هذا الطراز والحمد لله، قادتنا مشهود لهم بالفضل وحب الخير، وإننا محسودون عليهم، فيا رب «إنا نعوذ بك ممّن عينه ترعانا وقلبه لا ينسانا».

دولة الخير والنجاحات

وفي الحقيقة، إن دولة الإمارات العربية المتحدة تحتاج منا إلى أن نحصّنها بآية الكرسي، وأن نعوّذها بالمعوّذتين، من شر الأشرار وما أكثرهم من حولنا، ولا سيما أننا نتنقل من نجاح إلى نجاح، ومن فوز إلى فوز بإذن الله، في زمن يكثر فيه الخاسرون.

وبالأمس القريب كان مؤتمر التسامح الذي انعقد في أبوظبي، حيث كان قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، نجم هذا المؤتمر ولأول مرة، حيث التقى فيه هو وفضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بجمع من خيار من يمثلون الديانتين الكبيرتين: الإسلام والمسيحية، وكانت أبوظبي هي الحاضنة لهذه الفعالية.

وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، من دعا إلى عقد هذا المؤتمر، وكان في مقدمة المستقبلين والمرحّبين بهاتين الشخصيتين الكبيرتين اللتين تعقد بهما الآمال في الشرق والغرب، في زمن كثر فيه خلط الأوراق، وكثر فيه الخروج على القيم الدينية والحضارية، وزيفت فيه الكثير من الحقائق الثابتة، وطمست فيه الكثير من معالم السماحة والتسامح والتعايش السلمي وقبول الرأي والرأي الآخر.

لكن أعتقد أن أبوظبي ودولة الإمارات عموماً، نجحت في التقريب بين وجهات النظر في عالمنا، من خلال الجلوس مع أهم رمزين في هاتين الديانتين المهمتين جداً في الشرق والغرب، وقد خرج قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، بأهم انطباع عن دولتنا، فقال للإعلاميين كلمة تحمل معاني كبيرة: الإمارات دولة حديثة تتطلع إلى المستقبل دون أن تنسى جذورها.

وقد قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، أخيراً، إن وثيقة الأخوة الإنسانية ستكون جزءاً من المناهج الدراسية في مدارس وجامعات الدولة ابتداءً من العام القادم، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على نجاح هذا المؤتمر الذي ركز على إنسانية الإنسان الذي تبناه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، منذ إعلانه قيام دولة الإمارات، واليوم يسير على نهجه، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

«الإمارات تقود حوارات العالم»

نعم... والحدث الكبير الآخر هو هذه القمة العالمية للحكومات التي ابتدعتها دولة الإمارات منذ سنوات، وفي دبي حاضنة هذه القمة، يلتقي الكبار دائماً بطموحات وآمال كبيرة، وعن الكبار يقول الشاعر:

وإذا كانت النفوس كباراً

تعبت في مرادها الأجسام

وكم أنا وغيري فخور اليوم عندما نسمع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يقول: الإمارات تقود حوارات العالم لتطوير حياة الإنسان. وإنني أقول: ليس من السهل والبسيط إقبال أربعة آلاف مسؤول من 140 دولة في العالم على هذا الحدث، وحرصهم على أن يأتوا إلى دبي للمشاركة في حوار العقول وصياغة المستقبل.

هذا... وعندما استعرض معالي محمد عبد الله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل رئيس القمة العالمية للحكومات، استعدادات الدورة الأخيرة، قال: هدف هذه القمة تعزيز مستقبل البشرية، ورصد السبل الكفيلة بالتغلب على التحديات التي تواجهنا.

فدولة الإمارات قادرة بإذن الله على أن تقوم بدور إيجابي فعال، في سبيل إنجاح مثل هذه القمة التي تناقش مستقبل قطاعات مهمة تشمل الصحة وجودة الحياة والبيئة والتغير المناخي، والتعليم وسوق العمل ومهارات المستقبل، والتجارة والتعاون الدولي والمجتمعات والسياسة، والإعلام والاتصال بين الحكومة والمجتمع.

عاصمة الابتكار

وفي دبي عاصمة الابتكار، قام معالي محمد عبد الله القرقاوي، وضيوف الدولة، بجولة شملت متحف المستقبل الذي تنظمه مؤسسة دبي للمستقبل، وهو متحف يفاجئ العالم بطريقة تفكير دبي في صناعة المستقبل، فإذا كان الناس تعوّدوا على أن يروا في المتاحف أشياء قديمة يعود تاريخها إلى الزمن السحيق، فإن متحف المستقبل بدبي اليوم قدم للضيوف المشاركين في القمة تجارب تطلعهم على ملامح المستقبل الذي لم يأت بعد وبطريقة مبتكرة، ولقد صدق من قال، إن دبي سبقت العالم بـ20 سنة.

وشملت الجولة أيضاً منصة ابتكارات الحكومات الخلاقة التي يقدمها مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي. إذاً وبعد هذا، فمن حق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن يؤكدا، أن الإمارات تُلهم حكومات العالم.

وأن المستقبل يفرض أسئلة كبرى ومهمتنا البحث عن الإجابات المطلوبة.. وأن الإمارات تصنع المستقبل وتمكن حكومات العالم، وأن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان وحّد الأمة وصار حكيماً للعرب، كما أن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، أسس لنهضة دبي وقد صارت مثالاً للعرب.

وقد قال سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، عن دبي بأنها بمثابة عالم في مدينة.

إن هذه الإنجازات المشرفة للإمارات والعالم أجمع، تتوج مسيرة وأعمال فارس العرب والشاعر المتفرد، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، صانع المستقبل وقاهر المستحيل، وتعزز نجاحات قادتنا وتثري عطاءاتهم.

نعم.. هي هذه دولة الإمارات الجميلة التي أصبحت اليوم حاضنة العلم والابتكار والأمن والأمان في العالم، وهي هذه دبي الحبيبة التي قال عنها رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري: تمنى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عندما زار لبنان لأول مرة، أن يجعل دبي مثل لبنان، وأتمنى أنا اليوم أن أجعل لبنان مثل دبي.

فيا نعمة الله دومي علينا، ويا ربنا وفّقنا لشكرك.