في الثامن عشر من يونيو 2018 وخلال اجتماع المجلس الوطني الأمريكي للفضاء وهو هيئة استشارية يترأسها نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس وقع الرئيس دونالد ترامب توجيهاً سياسياً بإنشاء «قوة فضائية» كفرع عسكري سادس ومستقل في القوات المسلحة الأمريكية.

وفي الحادي والعشرين من الشهر نفسه سلط نائب الرئيس بعض الضوء على هذه القوة في خطاب ألقاه في البنتاغون، مبيناً أن مهامها ستقتصر على شراء الأقمار الاصطناعية العسكرية للدفاع عن المركبات الفضائية الأمريكية.

فمنذ أطلق الاتحاد السوفييتي قمره الاصطناعي الأول سبوتنيك 1 عام 1957 بدأت الولايات المتحدة ترى الأهمية الاستراتيجية الاستثنائية للفضاء إلا أن الإدارات المتعاقبة منذ رئاسة آيزنهاور التي تأسست وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» خلالها وحتى رئاسة أوباما لم تتخذ إجراءات تتعلق بالفضاء خارج الأطر التي أنشأت ناسا بموجبها.

أهمية الفضاء تزداد بشكل مستمر في جميع شؤون الحياة، إذ هناك عشرات البلايين من الدولارات موظفة في بنيته التحتية التي تتحكم في جميع التعاملات المالية والتجارية والمعلوماتية ومعظم التواصلات الإعلامية والخدماتية حول العالم في الوقت الذي لا تتمتع فيه هذه البنية بالحماية التي تتفق مع أهميتها.

ويبرر المؤيدون لإنشاء هذه القوة الفضائية موقفهم بأن النشاط العسكري في الفضاء لا يختلف جوهرياً عن نشاط البحرية الأمريكية التي تجوب البحار والمحيطات وتؤمن مسارات القوافل التجارية، فتشكيل قوة عسكرية فضائية وفق هذا المنظور لا يتعارض مع القوانين الدولية.

فكرة «القوة الفضائية» ليست جديدة فقد تم رفضها حين طرحت لأول مرة من قبل السيناتور بوب سميث عام 1999 ورفضت ثانية عام 2000 حين وردت كمقترح قدمته لجنة برئاسة دونالد رامسفيلد مفاده تشكيل فيلق الفضاء داخل سلاح الجو.

مؤخراً جرى تداولها من قبل إدارة ترامب ورفضت في سنتها الأولى علناً في يوليو 2017 من قبل وزير الدفاع المستقيل جيم ماتيس، ومع ذلك فلها مؤيدون داخل الكونغرس وخارجه فهناك قناعة لدى هؤلاء بأن بيئة الفضاء قد تغيرت بشكل أساسي فما كان في السابق سلمياً وغير متنازع عليه أصبح الآن مزدحماً وموضع خصام قد يتفاقم في المستقبل.

فهذه الإدارة لا تخفي قلقها من قيام كل من روسيا والصين بتطوير صواريخ أرض - جو قادرة على إسقاط الأقمار الاصطناعية، فقد استطاعت الصين إسقاط أحد أقمارها المتقادمة عام 2007 في تجربة أرادت بها إثبات قدراتها على تدمير أقمار اصطناعية معادية.

يعتمد الجيش الأمريكي بشكل كبير على الفضاء للاتصالات والاستطلاع والكشف عن الصواريخ القادمة وفي إدارة المعارك التي يخوضها في هذا المكان أو ذاك من خلال الحضور الكثيف للأقمار الاصطناعية التي من غير المعروف بدقة عددها فبعضها لم يعلن عن إطلاقه لأنه مصمم للقيام بمهام سرية خاصة.

هناك عشرات الآلاف من هذه الأقمار تدور في الفضاء لأغراض ومهام شتى ولكن عدد الفاعلة منها يقرب من الألف نصفها تقريباً تابع للولايات المتحدة.

لم يكن الفضاء مجالاً بعيداً عن التنافس والصراع إبان حقبة الحرب الباردة من خلال تكثيف الأقمار الاصطناعية في أرجائه وتعزيز قدرات المحطات الأرضية على صناعة الأحداث فيه سواء عبر الطائرات المقاتلة والقاذفة أو الصواريخ بأنواعها أو الأشعة الليزرية أو عبر وسائل أخرى.

ولم تتوافر الظروف التي تسمح بالتعاون والتنسيق في أرجائه إلا بعد انتهاء تلك الحقبة حيث تم الاتفاق على إنشاء المحطة الفضائية الدولية التي أطلقت عام 1998 بمشاركة 5 وكالات فضاء تمثل 16 دولة على رأسها الولايات المتحدة وروسيا.

إلا أن دعوة إدارة ترامب بإنشاء قوة فضائية مؤشر مهم على التوجّه نحو مسار غير عادي في استراتيجية لن تكون الولايات المتحدة من ينفرد بالأخذ بها، وهو من غير شك مسار مثير للقلق إلى حد كبير.

فالرئيس الأمريكي يبعث برسالة إلى الدول الأخرى مفادها أن بلاده تنظر للفضاء على أنه مجال محتمل للقتال في الحروب القادمة دفاعاً عن الأمن القومي الأمريكي وهو ما ينطبق عليه الحال الأمني لجميع الدول الأخرى. الرئيس ترامب يرى أنه طالما يتعلق الأمر بالدفاع عن الولايات المتحدة فلا يكفي أن يكون لها «حضور» في الفضاء بل يجب أن يكون لها «هيمنة» عليه.

* كاتب عراقي