كما سقطت إمارة قندهار في أيام، ها هي تسقط خرافة الدولة الإسلامية من الموصل العراقية وحتى الرقة ودير الزور في سوريا، فمنذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بتصفية ما تبقى من جيوب لما يسمى دولة «داعش» في شرق سوريا لم تصمد دفاعات الدواعش أمام قوات سوريا الديمقراطية، وانتهت الخرافة وتحولت الأسئلة إلى أين سيذهب الدواعش؟، وأي أرض ستحملهم؟ وأي سماء ستظللهم ؟ ومع تزاحم هذه الأسئلة ظهر سؤال قديم كيف جاء الدواعش إلى سوريا والعراق؟
لطالما راهن النظام التركي على ورقة «داعش»، فمن خلالها أوجدت تركيا مسوغات وجودها في الأراضي السورية، تماماً كما تدعي إيران لتمرير ادعاءات التدخل في سوريا، ومع السنوات الطويلة التي واجهت كل الأطراف الدولية والجماعات الإرهابية في التراب السوري، لا توجد حوادث مواجهات حقيقية بين تلك الأطراف والدواعش، بل إن ما قام به حزب الله اللبناني من توفير وسائل نقل للدواعش وعائلاتهم كان مجرد مشهد من مشاهد كثيرة، لا تعطي دلالات على أن (بعضاً) ممن يدعون أن تواجدهم في سوريا لمحاربة «داعش» صادقين فيما يدعونه.
في ديسمبر 2017م نشر موقع باز فيد تحقيقاً استقصائياً عميقاً كُشف فيه أن مسلحين من تنظيم «داعش» المتشدد انتقلوا إلى تركيا، حيث وجدوا فيها ملاذاً آمناً، على إثر فرارهم من سوريا والعراق بسبب انهيار التنظيم هناك، فيما امتنع مسؤولون أتراك عن الإجابة على أسئلة الفريق الصحافي الذي أنجز التحقيق.
وكشف ذلك التحقيق الصحفي عن شبكات تهريب مقرها اسطنبول تنشط لتهريب مقاتلي «داعش» من العراق ـ آنذاك ـ إلى تركيا وتعمل شبكات التهريب التركية على تمرير أخبار مضللة عن المقاتلين بحيث تنشر معلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن مقتلهم في المعارك ثم يتم تسوية أوضاعهم داخل الأراضي التركية بطرق مختلفة، وتجري هذه العمليات بشكل واسع عبر شبكات مترابطة من تجار تهريب البشر إلى أفراد مرتبطين بالجماعات المتطرفة.
مع سقوط الدولة المزعومة ظهرت تحقيقات استقصائية مماثلة أظهرت تماثلاً مع ما كان في 2017م وما بعد تحرير الموصل في العراق، فلقد كشفت تقارير أن مقاتلي «داعش» في آخر معاقلهم (الباغوز) قد طلبوا من زوجاتهم الخروج من المنطقة وتسليم أنفسهن لقوات سوريا الديمقراطية التي بدورها تسلمهن لقوات التحالف الدولي، وخلال هذه السلسلة تعود شبكات تهريب البشر في الظهور وزوجات مقاتلي«داعش» يمتلكن الأموال والاتصالات بهذه الشبكات التي تقوم بتوفير الممرات إلى داخل تركيا.
تقول إحدى زوجات مقاتلي «داعش» إن زوجها قد طلب منها أن تذهب إلى الأراضي التركية وتنتظر حتى يعاود التنظيم استعادة وجوده مجدداً ليعدن إلى أزواجهن إن هم أصلاً استطاعوا النجاة من هذه الحرب، حديث تلك المرأة التي كانت فرنسية وهي تدلي بشهادتها المطولة لقناة تلفزيونية إخبارية يفتح بدوره أسئلة عن إن كانت تركيا مازالت تراهن على ورقة داعش بعد أن أسقطها الرئيس ترامب من بين يدي الأتراك والإيرانيين؟
المنطقة الآمنة شمال سوريا لا تبدو مشروعاً ممكناً في المستقبل، خاصة وأن الذريعة التركية قد أسقطت بهزيمة آخر جيوب داعش في شرق سوريا، ومن المتوقع أن يحظى أكراد سوريا بخصوصية سياسية في مستقبل سوريا السياسي مما سيضاعف على تركيا واقع خصومتها مع الأكراد فكما يحظى أكراد العراق بخصوصية يقترب أكراد سوريا من الحصول على حصة سياسية موازية مما سيضغط على نظام أردوغان الذي لن يجد ذريعة للتدخل في سوريا، مع تنامي قوة الأكراد السوريين والعراقيين على دول حدود تركيا الجنوبية.
الرئيس الأمريكي ترامب حرك على رقعة الشطرنج ما عجز عنه الجميع، فهو لم يكترث بتبعات ما تخشاه أوروبا من اقتلاع خرافة داعش فبمجرد بداية الهجوم وقع الأوروبيون في مواجهة دواعش لندن وبرلين وباريس وغيرها من العواصم التي وجدت نفسها أمام اختبار صعب فتباينت المواقف تجاه معضلة القادمين بالأفكار الشريرة، بينما وجد الأتراك أنفسهم في مواجهة اختلال التوازن بين أمريكا وروسيا، ولذلك تبدو مسألة حصول تركيا على صواريخ (أس ـ 400) الروسية كنقطة اختبار لتوازن أنقرة في مستقبل سياسي يبدو صعباً للغاية للأتراك.
كل السياقات تعيد التساؤلات القديمة كيف دخل الدواعش إلى سوريا؟، وذات التساؤلات تعود إلى أين يذهب الدواعش بعد أن سقطت خرافتهم المزعومة؟، أسئلة بهذا الحجم الإجابة عنها ليست صعبة ولا مستحيلة ولكنها تتطلب شجاعة في مواجهة الذين استنزفوا سوريا ومن قبله العراق وتماهوا مع المشروع الإيراني لإغراق المنطقة العربية في بحر من الدماء تحت شعارات الوهم العربي كما هو الوهم الداعشي، مجرد شعارات حققت منها أنقرة أهدافها كما هي أهداف إيران.