كمشهد مكتوب على الورق، يعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيوقع وثيقة يعترف بموجبها بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، يتصدر الخبر نشرات الأخبار وتخرج بيانات الاستنكار من كل مكان، وفي طريق نتنياهو للبيت الأبيض لاستلام الوثيقة تحوم الطائرات الإسرائيلية على غزة وتتصاعد اللهجة بشن حرب واسعة على القطاع وتنحبس الأنفاس حتى يوقع ترامب الوثيقة ويسلم نتنياهو الجولان وبذلك ينتهي المشهد الدرامي في إطار موسم انتخابي في إسرائيل وتركيا واستعداد ترامب لولاية ثانية فوثيقة الجولان مجرد ورقة انتخابية يستفيد منها الجميع.
الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كلاهما يستعدان لخوض معارك انتخابية صعبة، وتبدو ورقة الجولان أفضل ما يمكن أن يرفعه الرجلان كشعارات في المهرجانات الانتخابية، نتنياهو المحشور في قضايا الفساد يحتاج للجولان ليقدم نفسه أمام الناخب الإسرائيلي كبطل استطاع منح إسرائيل قطعة أرض عربية كانت مرهونة بالقرارات الدولية على مدار نصف قرن، اليوم يحرك تلك القرارات عبر وثيقة أمريكية وإن كانت لا تعني تغييراً لكنها تمنح تأثيراً انتخابياً تمهد لفوزه بالانتخابات الوشيكة، في المقابل سيبقى الرئيس الأمريكي ترامب منتظراً دعم اليهود الأمريكيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة عام 2020م، ولن يتأخر التأييد فما قدمه ترامب وما سيقدمه بعد الانتخابات الإسرائيلية سيحصل عليه دعماً هائلاً لن يستطيع خصومه الديمقراطيون مواجهته.
وبما أنه موسم انتخابات، وبما أن الجولان قضية يمكن استثمارها انتخابياً خرج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والذي يستعد هو الآخر لخوض الانتخابات البلدية ليقدم نفسه كحامي الجولان والمدافع عن الأمة الإسلامية وترابها، وكعادته فلقد اتهم الدول الخليجية بالتقصير من باب الزج بهذه الدول في تصريحاته التي يتسلق فيها على الأزمات العربية والإقليمية وكما يحب أن يظهر نفسه كآخر سلاطين الدولة العثمانية البائدة، فلقد أرعد وأزبد في تكرار لمشاهد مستدامة لا تتوقف عن رفع شعارات المزايدة لتحقيق مكاسب انتخابية.
تركيا تحتل أراضي عربية فمن لواء الاسكندرونة إلى عفرين وإلى تدخلات الجيش التركي في العراق هي ذات الممارسات الإسرائيلية على الأراضي العربية، الاحتلال التركي وصل أيضاً إلى تدنيس التراب القطري في تدخل تركي في الشؤون العربية، هذه ليست شعارات يمكن أن يرددها أردوغان فهو يرى تدخلاته في عفرين السورية مشروعة تحت ادعاء حربه مع الأكراد وتصفية صراعاته معهم، فالمسألة لا تتجاوز بالنسبة للأتراك سوى مزايدة انتخابية تنتهي بعد الانتخابات البلدية.
إيران أحد المستفيدين من ترديد الشعارات بل هي أكثرهم فالإيرانيون بعد أن تمكن الخميني عام 1979 من الوصول إلى السلطة في طهران وضع يوماً باسم القدس، وبعد أربعين عاماً من شعارات تحريرها والحرب مع إسرائيل نتيجة واحدة هي أن إيران لم تضرب إسرائيل حتى بحجر بل أحرقت الدول العربية من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن دون أن تصيب إسرائيل بشيء، بل الأكثر من ذلك أن الإسرائيليين وخلال السنوات الأخيرة قاموا بقتل المئات من الإيرانيين في سوريا، وتحولت حتى الغارات الإسرائيلية إلى غارات روتينية تضرب ميليشيا إيران في التراب السوري لتصدر إيران بيانات الاستهلاك الإعلامي المعتادة بأنها تحتفظ بحق الرد على إسرائيل في الزمان والمكان التي تختاره القيادة الإيرانية.
في سوق ترديد الشعارات الانتخابية تجد حركة حماس الفرصة المواتية لخلط الأوراق داخل قطاع غزة، فبعد أيام من حراك شعب فلسطين الرافض لممارسات حركة حماس وإطلاقها حملة شعبية تحت شعار (بدنا نعيش) أطلقت الفصائل الفلسطينية صاروخاً استهدف الداخل الإسرائيلي ضمن سياق خلط الأوراق ومنح الرئيس ترامب الفرصة لتمرير الوثيقة لإسرائيل ولتخرج حركة حماس من أزمتها الداخلية مع شعب يعاني الجوع والفقر بسبب الحصار نتيجة سياسات حماس وشقها للصف الفلسطيني وارتمائها في أحضان قطر عراب الخراب والدمار.
في ظل كل التدخلات الأجنبية الإيرانية والتركية في الشؤون العربية لا معنى لكل المزايدات التي يستفيد منها الأطراف المختلفة لتحقيق مكاسبهم الانتخابية أو تمرير مشاريعهم على حساب القضايا العربية، حالة الضعف وصلت إلى ما لا يمكن أن يبرر أو حتى يجد مسوغات لتمرير ما بلغه الحال العربي الذي وصل لمجرد أوراق انتخابية تستخدم بهذا الاستخفاف والاستهلاك الإعلامي في ظل غياب الرؤية وترك الفراغات لتسلل القوى الدولية والإقليمية للمتاجرة بالقضايا العربية.