حتى مطلع القرن الجاري استحقت أفريقيا عن جدارة لقب القارة المريضة، فقد انتشرت الصراعات المسلحة في القارة، وكانت القارة السمراء هي المكان الوحيد في العالم الذي كان فيه الناس يموتون بأعداد كبيرة بسبب الجوع، وكانت القارة الأفريقية تنتج العدد الأكبر من اللاجئين والنازحين في العالم.

كان العالم يتطور في اتجاه فيما كانت أفريقيا تتطور في الاتجاه العكسي طوال الجزء الأغلب من النصف الثاني للقرن العشرين. ففي الفترة 1960 – 2002 نما اقتصاد العالم – باستثناء أفريقيا – بمعدل 2% كل عام. بالمقابل فإن النمو في أفريقيا كان سالباً في الفترة من منتصف السبعينيات حتى منتصف التسعينيات، حتى وصل إلى سالب 1.5% في الفترة 1990 – 1994. والنتيجة هي زيادة الفقر في القارة، فأصبح نصف سكان أفريقيا جنوب الصحراء بنهاية القرن يعيشون تحت خط الفقر، وانخفض متوسط دخل الفرد في أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 11% عما كان عليه عام 1974. وبينما كان واحد من كل عشرة فقراء في العالم يعيش في أفريقيا في عام 1970، أصبح واحد من كل اثنين من فقراء العالم يعيش في أفريقيا في عام 2000.

لقد بدأت الصورة تتغير منذ ذلك الحين؛ فالألفية الجديدة جاءت بأنباء طيبة للقارة السمراء. يحدث التغير ببطء، ويحدث في بعض البلاد بشكل سريع يدعو للإعجاب، فيما مازالت بلاد أخرى تتخبط؛ ولكن المؤكد أن الأسوأ في أفريقيا قد أصبح خلفنا، فقد انقضى الزمن الذي كان فيه العالم يتقدم للأمام فيما أفريقيا تتراجع إلى الخلف.

في العام 2018 نمت الاقتصادات الأفريقية بنسبة 3.8%، وهي نسبة زادت قليلاً على نسبة نمو الاقتصاد العالمي التي بلغت 3.7%. ويقود النمو الاقتصادي في أفريقيا مجموعة من الاقتصادات المزدهرة التي تنمو بمعدلات سريعة غير مسبوقة، يأتي في مقدمتها الاقتصاد الإثيوبي، الذي نما بمعدل 7.5% في عام 2018، وهو يقود مجموعة من عشر اقتصادات سريعة النمو تضم أيضاً كوت ديفوار 7.4%، رواندا 7.2%، السنغال 7%، غانا 6.3%، بنين وكينيا 6% لكل منهما، أوغندا وبوركينا فاسو 5.9% لكل منهما، وغينيا 5.8%.

المفاجأة هي أن الاقتصادات الكبيرة في القارة الأفريقية تعاني من التعثر، وهي المسؤولة عن الضغط على مؤشرات الأداء الاقتصادي في القارة. ينطبق هذا بشكل خاص على نيجيريا وجنوب أفريقيا؛ ففي عام 2018 نما الاقتصاد في نيجيريا بنسبة 1.9% فقط، وهذه النسبة أفضل كثيراً مما حققه اقتصاد جنوب أفريقيا الذي نما بنسبة 0.8% فقط خلال العام الأخير. فإذا وضعنا في الحسبان أن معدل الزيادة السكانية في هذه البلاد يصل إلى 2.5% سنوياً، فإن مستوى المعيشة والرفاهية في البلاد الأفريقية الكبيرة يعاني من تراجع فعلي.

مع هذا فإن الأداء المتواضع للاقتصادات الأفريقية الكبيرة لا يخفي الأداء الرائع لأغلب الاقتصادات الأفريقية، فإذا استبعدنا الاقتصادات الكبيرة لنيجيريا وجنوب أفريقيا وأنجولا، فإن أفريقيا يتوقع لها أن تحقق نمواً يصل إلى 5.7% في العام الحالي. أما في السنوات الخمس المقبلة فإن المؤسسات الدولية تتوقع أن يكون حوالي نصف الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم في أفريقيا، حيث يتوقع أن تنمو اقتصادات 20 من الدول الأفريقية بنسبة تزيد على 5%، فيما المعدل العالمي للنمو لن يزيد على 3.6% خلال هذه الفترة.

لقد انتهى الزمن الذي كانت فيه أفريقيا هي المصدر الأهم للأخبار السيئة في نشرات الأخبار العالمية. فبؤر الصراع الأكثر خطورة في العالم لم تعد أفريقية بعد أن فاقت حدة الصراعات في سوريا وأفغانستان واليمن أي صراعات تجري في القارة الأفريقية؛ وأصبحت سوريا أكبر مصدر للاجئين في العالم، متفوقة بذلك على السودان وجنوب السودان الذي كان أكبر مصدر للاجئين في العالم لعقدين من الزمان.

لقد نجحت دول القارة في معالجة بعض من أسوأ الصراعات، خاصة الصراعات في ليبيريا وسيراليون وأفريقيا الوسطى والكونغو؛ وتوصلت إثيوبيا وإريتريا لتسوية سياسية للصراع الحدودي الدامي بينهما، وهي التسوية التي ساهمت في التوصل إليها الوساطة التي قامت بها دولة الإمارات العربية.

ومع هذا فإن بعض بؤر التوتر الساخنة والقابلة للانفجار مازالت موجودة في القارة. يسري هذا بشكل خاص على الصراع العرقي القبلي في جنوب السودان، والصراع ضد إرهاب بوكو حرام في نيجيريا، وعلى التوتر العرقي في مناطق الكاميرون الناطقة بالإنجليزية. إلا أن أثر هذه الصراعات أقل من أن يغير الصورة الإيجابية التي بدأت ترد إلينا من القارة السمراء الجميلة.

* كاتب ومحلل سياسي