استشرفت دول الخليج العربي المتغيرات في الخارطة الاقتصادية الدولية بعد هبوط أسعار النفط في عام 2014 إلى مستويات غير مسبوقة، وعملت على وضع وتطبيق سياسات اقتصادية جديدة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تقلبات أسعار النفط.

وبدأت اقتصاديات هذه الدول تتحوّل من اقتصادات أحادية تعتمد على سلعة واحدة إلى اقتصادات قائمة على التنوع والتوازن باعتباره خياراً استراتيجياً من خلال توفير فرص استثمارية جديدة في مجمل القطاعات الاقتصادية تساهم في دفع عملية التنمية المستدامة.

وأعلنت دول الخليج عن رؤىً اقتصادية جديدة لمرحلة ما بعد النفط ارتكزت على تحسين مستويات الإنتاجية وتعزيز القدرة البشرية والمالية والتكنولوجية وترسيخ المعرفة والابتكار اللذان أصبحا حاجة ملحة لمواصلة الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة للمواطنين وضمان استدامتهما ورفع العائد من الاستثمار في تنمية الموارد البشرية.

إضافة إلى توفير فرص عمل للشباب واستيعاب الزيادة السكانية، ما يسهم بدوره في بناء مجتمع يؤمن برسالة العلم، ويعرف قيمة توليد المعرفة ونشرها واستخدامها، ومن ثم التأثير في نظرة الفرد وممارساته تجاه المجتمع والعمل والاقتصاد.

وحققت السياسات الاقتصادية الجديدة نتائج إيجابية منذ اعتمادها، ففي تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي 2018 عن الآفاق الاقتصادية والاجتماعية لدول مجلس التعاون الخليجي، الصادر بالتعاون مع مركز الإمارات للسياسات، أكد أن دول مجلس التعاون الخليجي نجحت في أن تتجاوز، وإلى حد بعيد، آثار انخفاض أسعار النفط.

وأشار تقرير «الإحصاءات الاقتصادية» الصادر عن مؤسسة «ICAEW» في نوفمبر 2018، أن القطاع غير النفطي في دولة الإمارات يمثل الآن ما يقارب 70٪ من اقتصاد الدولة، ومن المتوقع أن يزداد بنسبة 3.6٪ خلال العام الجاري 2019.

كما حققت دول مجلس التعاون الخليجي من خلال الرؤى الاقتصادية الجديدة قفزات نوعية على صعيد الأنشطة غير النفطية، حيث شهدت المملكة العربية السعودية تحركات تنموية فريدة من نوعها نتيجة الإجراءات الإصلاحية من خلال منظومة إصلاحات لهيكلة أجهزة الدولة وخططها، لصناعة مستقبل واعد غني بثرواته البشرية ومكتسباته الطبيعية لتسريع جهود المملكة للحد من اعتمادها على عائدات النفط، إضافة إلى الفرص المتنامية في الصناعات المحلية الرئيسية مثل الموانئ والتجارة والترفيه والسياحة والتصنيع والبناء.

وأظهرت مؤشرات الاقتصاد العماني مستويات متقدمة في خطط وجهود التنويع الاقتصادي خلال الفترة الماضية. فقد حققت بعض المشاريع الاستراتيجية الحيوية العديد من المكاسب الملموسة. وتواصل سلطنة عُمان جهودها في تحقيق التنويع الاقتصادي بالاستعانة بمخرجات البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي

عبر تعزيز مساهمة القطاعات الخمسة المستهدفة والمتمثلة في قطاع الخدمات اللوجستية وقطاع الصناعات التحويلية وقطاع السياحة وقطاع الثروة السمكية وقطاع التعدين. ومن المتوقع أن تتنامى الأنشطة غير النفطية في السلطنة إلى 4.3% سنوياً حتى العام 2020، مع انخفاض مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي من 44% في الفترة بين 2011-2015، إلى 30% بحلول عام 2020.

كما تعمل الكويت على تنويع اقتصادها من خلال جذب المزيد من الاستثمارات إلى سوق العمل الكويتي، والاعتماد على ديناميكية القطاع الخاص وقدراته التفاعلية، والقطاع العام الداعم لنشاط الأفراد والمؤسسات الخاصة عبر منظومة تشريعية ومؤسسية متطورة، ومشاريع شراكة واعدة تضمن تحسين القدرة التنافسية وتحقيق الاستدامة الاقتصادية والمالية، ومن المتوقع أن يتحسن نمو الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية في دولة الكويت إلى نحو 3.5% في العام 2020، و13.5% بحلول عام 2025.

وتواصل مملكة البحرين سياساتها في مجال التنويع الاقتصادي من خلال تعزيز قطاعاتها المصرفية والمالية والسياحية. فقد تقلصت نسبة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 18.4% في 2018، في حين كانت هذه النسبة 44% في بداية الألفية. وتعد المملكة الأقل بين دول مجلس التعاون الخليجي في معدلات التضخم، حيث تراوح المعدل الشهري في عام 2018 بين 0.5% و2.7%.

إن عصر الطاقة النفطية لم ينتهِ بعد، غير أن التخطيط لمرحلة ما بعد النفط يحتاج إلى التفكير بحلول مبتكرة ومعالجات ذكية لتحويل الاقتصاد من الاعتماد على النفط كمورد رئيسي واحد إلى اقتصاد متنوع ومتوازن. وتهدف الرؤى المستقبلية والتحركات الخليجية إلى تحقيق الاستقرار في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وعدم التعرض إلى تبعيات التقلبات الاقتصادية الناتجة عن تذبذب أسعار النفط لتحصين الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المستدامة.

* مدير عام «مجموعة أورينت بلانيت»