بالأمس كنت أقرأ في كتاب، فلفت نظري حديث عظيم رواه الشيخان الفاضلان البخاري ومسلم في صحيحيهما، والحديث هو «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ ‏جِبْرِيلُ،‏ ‏وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ‏أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ».

يقول ابن حجر، رحمه الله: «أجود الناس: أي أكثر الناس جوداً، وأجود من الريح المرسلة: أي المطلقة، وعبّر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة».

ويذكر الزين ابن المنير أن وجه التشبيه بين أجوديّته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة.قرأت الحديث أكثر من مرة، وتذكرت والدي ومشايخي حيث إنهم كانوا يدرّسوننا مثل هذه الأحاديث في رمضان، لنتشجع في يوم الصيام وليله، ونكثر من قراءة القرآن والصدقات والصلاة وصلة الأرحام وكف اللسان عن الخنا.

ثم جلست أقارن بين الحديث وبين ما يفعله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في رمضان، فسموّه عوّدنا منذ سنوات مضت أن يطلق مبادرات وحملات في شهر رمضان بالذات، ومن هذه المبادرات: حملة نور دبي، ودبي العطاء، وأمة تقرأ، وقرية العائلة للأيتام، وكسوة مليون طفل حول العالم، وسقيا الإمارات، وصلة الأيتام والقصّر، وجائزة محمد بن راشد آل مكتوم العالمية للمياه، وغيرها الكثير.

قلت في نفسي إنني على يقين بأن صاحب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لا يتخذ أي خطوة من غير هدف، ولا يُصدر أي قرار من غير فائدة، ولا يضيع وقته في الأشياء التافهة، وسموه بالتأكيد قرأ هذا الحديث وأمعن النظر فيه، ومن ثمّ ذهب يطلق مثل هذه المبادرات والحملات الرمضانية، ليجمع بين الصيام وعمل البرّ.

إن مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لا تنحصر في رمضان فقط، لأنه معطاء ومفعال على مدار العام، بل عوّدنا أن لا يمرّ يوم إلّا ويفتتح مشروعاً أو يطلق مبادرة يعمّ نفعها على البلاد والعباد في الداخل والخارج.

لكن لفت سموه نظري إلى أن شهر رمضان عند الكثيرين هو شهر الخمول والكسل والنوم، لكنه ينشط في رمضان، ويتعمد أن يوقظ النائمين والكسالى في هذا الشهر.

وهو بهذا العمل الذكي لا يحيي سنة الآباء والأجداد فقط، بل يقتدي بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولا غرابة في ذلك، فهو الذي قال في كتاب «ومضات من فكر»: «قدوتي في الحياة هو نبيي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم».

إذاً كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وهكذا يحاول سموه أن يكون كذلك، فهو له مبادرات خيرة طول العام، لكن مبادراته الرمضانية تتميز عن الأخريات، لعلمه أن الأجر أكبر، لأنه يجمع بين الصيام وبين الصدقة وفعل الخير.

ثم تأمل في الحديث الشريف عندما يقول: «أجود من الريح المرسلة»، وقد فسّر المحدثون «المرسلة» بأنها التي تهبّ بالرحمة ويستمر هبوبها مثل الغيث العام الذي يحيي كل شيء.

وهذا المعنى اللطيف نجده في صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عندما يطلق حملة مثل: حملة نور دبي، حيث إنها لم تكن لداخل الإمارات بل لخارجها، والذين استفادوا منها الملايين من الذين فقدوا الأمل في أن يعود إليهم البصر.

ومثلها سقيا الإمارات، وأمة تقرأ، وكسوة مليون طفل، وغيرها من الحملات التي أطلقها سموه في رمضان، وفيها المعاني الإنسانية الكاملة التي شملت المحتاجين والمتضررين في بلدان العالم.

والجميل في هذه المبادرات أن سموه يطلقها ويبدأها بتمويل شخصي منه ومن أسرته الكريمة، وهذه دعوة إلى فعل الخير موجهة إلى التجار وأهل الخير في دولة الإمارات، فهو يُشكر على أنه يبتدع بدعة حسنة ويبادر، والتجار يُشكرون على أنهم يتجاوبون معه فيسارعون إلى فعل الخير، وهذا هو الأسلوب النبوي في رمضان وفي غير رمضان، حيث إنه كان يبدأ بنفسه أولاً ثم يقتدي به أصحابه الكرام.

ولو تقرأ أيها القارئ الإحصاءات الرقمية التي كُتبت عن هذه الحملات الرمضانية، لتر العجب، وعلى سبيل المثال فإن حملة كسوة مليون طفل حول العالم في القارة الإفريقية، بلغ عدد المستفيدين منها 930 ألف طفل بتكلفة بلغت 57 مليوناً و355 ألف درهم، بواقع 21 دولة إفريقية، إضافة إلى أعداد أخرى في أسيا وأمريكا اللاتينية.

وفي حملة سقيا الإمارات، جُمعت 180 مليون درهم تحت إشراف هيئة الهلال الأحمر في 18 يوماً، ما يكفي لسقيا أكثر من 7 ملايين نسمة حول العالم، ولم يكتفِ سموه بهذه الحملة، بل أنشأ مؤسسة سقيا الإمارات عام 2015 بقانون يحوّل الحملة إلى مؤسسة عامة غير ربحية.

هذه المبادرات تنمّ عن شخصية استثنائية، تملك حاسة استثنائية، وقدرة استثنائية تجعله يقرأ مواطن الحاجة قبل أن يتكلم صاحب الحاجة، وإننا في الواقع ليس لنا إلا أن ننحني أمام شخص كشخص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي لا يملّ من العطاء، ولا يتعب من عمل الخير، وهل لنا إزاء هذا الجود المتدفق إلا أن نقول إعجاباً بما يصنع:

الله أعطاك فابذل من عطيته

                         فالمال عارية والمال رحّالُ

المال كالماء إن تُحبس سواقيُه

                         يأسنْ وإن يَجرِ يعذُبْ منه سَلسالُ

أسأل الله أن يديمك يا صاحب السمو للخير وعمل الخير، وما أحوج الدنيا إلى مثلك في هذه الأيام التي يحيط فيها الشر بنا من كل جانب، ويقلّ المنفقون في الخير، ويقلّ الشاكرون على النعمة.

كما أسأل الله أن يديم شيوخ الإمارات جميعاً، فهم جميعاً أهل الخير ومعدنه، ومن كان زايد معلمه ومربّيه فلا تنتظرْ منه إلا الخير.