عوّدنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن يقدم لنا دائماً الجديد الذي لم يُطرق، وأن يغامر بالجديد بعزمة الواثق من نفسه، وبهمة القائد الذي ضمن النصر والفوز والحب بإذن الله، وبشجاعة الأسد الذي لا يكاد يُسمع زئيرُه إلا ويستسلم له الغاب وما في الغاب.

نعم.. وكلمة «اللامستحيل» من هذا الطراز المُوشىّ بالأحلام الكبيرة، واللامستحيل قناعة فكرية قبل أن تكون ثقافة فطرية، وهذه القناعة لا تؤتي أكلها إن لم تتولد هي في النفس منذ أول يوم من ميلاد الإنسان الموهوب، فإذا كان الشعر أو الرسم أو أي موهبة من المواهب فطرة في الإنسان، وتُنمىّ بالرعاية والاهتمام، فإن ثقافة اللامستحيل كذلك.

ثقافة اللامستحيل بدأت في البداية كفلسفة عمل عند، المغفور لهما بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، وقد وجدنا زايد منذ الوهلة الأولى أنه كان يرفض فكرة «مستحيل» وذلك عندما كان يبحث عن الماء في منطقة الظفرة، فقالوا له: إن منطقة الظفرة ليس فيها ماء، وإن أرض المنطقة ليست صالحة للزراعة.

فاستخدم هذا البدوي ذكاءه، واستجاب لما يمليه عليه داخله، وليس ما يقوله المستشارون والمهندسون، فاشتغل في الأرض وقال لهم: احفروا هنا، فحفروا حتى وجدوا الماء، وبعده أحال زايد الصحراء القاحلة إلى واحات خضراء وغنّاءة.

وهكذا فعل الشيخ راشد بن سعيد حاكم دبي عندما فكر في إنشاء ميناء في منطقة جبل علي، فشق اليابسة وأحالها إلى بحر، وكان ذلك موضع استغراب من الجميع، حتى إن الشيخ زايد كان مستغرباً أيضاً مما يفعله راشد، فقال له الشيخ راشد مداعباً: هل تريد أن أوصل البحر إلى مدينة العين؟

نعم.. واليوم نلاحظ أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تبنىّ عدداً من المستحيلات، فأحالها إلى واقع ملموس ومعايش يراه القاصي والداني، حتى إنه بعد هذه النجاحات أزال من قاموسه فكرة المستحيل؟

ونقرأ لسموه في كتاب رؤيتي قوله: إن الشيخ زايد والشيخ راشد علّماني قهر المستحيل، ويقول في كتاب ومضات من فكر: «لا بديل لنا عن المركز الأول، وكلمة مستحيل ليست في قاموسنا في دولة الإمارات».

ويقول أيضاً في كتاب ومضات من فكر: «لم أرَ تحدّياً مرّ على زايد إلا واجهه وتحداه وغلبه»، وصدق سموّه عندما قال: «لا مستحيل مع الإصرار، ولا مستحيل مع الإيمان، ولا مستحيل مع الحياة».

إذن فبداية هذه الفلسفة كان زايد وراشد اللذان يتخذهما الشيخ محمد بن راشد مدرسة الحياة أو مدرسة العزم والحزم.

وفي النهاية فإن الشيخ محمد بن راشد نفسه هو ذلك الرجل الأقوى الذي يَقهر ولا يُقهر ويَكسر ولا يـُكسر، ويَهزم ولا يـُهزم، وتقف طموحات كل الناس عند حدّ، إلا أن طموحات سموه لا سقف لها، على حد قول الشاعر:

وكنْ رجلا رجلُه في الثرى

                        وهامةُ همّته في الثريّا

لذلك فإنه يقول دائماً: المستحيل كلمة يستخدمها البعض لوضع سقف أحلامهم، ثم انظر إلى فلسفة الشيخ محمد بن راشد عندما يحلل لك كلمة «المستحيل»، حيث إنه يضع هذه الكلمة مقياساً لمقدار ثقتنا بقدراتنا واقتناعنا بإمكاناتنا، فمن قال مستحيل يعني ذلك أنه ضعيف لذلك انهزم، في حين أن سموه لا يؤمن بالضعف أبداً، بل يقول: يوجد إنسان يريد، وآخر لا يريد، ولذلك قال الشاعر:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

                       فلابد أن يستجيب القدر

ولابد لليل أن ينجلي

                       ولابد للقيد أن ينكسر

ومن لا يحب صعود الجبال

                       يعش أبد الدهر بين الحفر

 

ويواصل الشاعر يقول:

إذا ما طمحتُ إلى غاية

                         ركبتُ المنى ونسيتُ الحذر

أبارك في الناس أهلَ الطموح

                          ومن يستلذّ ركوب الخطر

وألعنُ من لا يمـاشي الزمان

                         ويقنع بالعيش عيش الحَجر

أجل فإن الحياة جميلة في فكر الشيخ محمد بن راشد، وإن الطاقة الإيجابية التي يحملها الإنسان، تكفي أن تغذي بلداً بأكمله، شريطة أن يكون الإنسان نفسه مؤمناً بالله واثقاً بنفسه وقدراته، وصاحب ضمير حيّ يحسّ بالمسؤولية ومعاناة الآخرين.

وما أجمل قول سموه عندما يقول: الحياة السهلة لا تصنع الرجال، ولا تبني الأوطان، التحديات هي التي تصنع الرجال، وهؤلاء الرجال هم من تُبنى بهم الأوطان.

ومما يُذكر عن نابليون فرنسا أنه قيل له كيف استطعت أن تولّد الثقة في أفراد جيشك، فقال: كنت أردّ ثلاثة بثلاثة، كنت أقول لمن يقول لا أعلم: تعلّم،وأقول لمن يقول لا أقدر: حاولْ، وأقول لمن قال مستحيل: جرّبْ.أجل.. همم الرجال تقلع الجبال، ولا يوجد أعنَدُ من الإنسان الذي قوته في ضعفه، ولم يكن الشيخ محمد بن راشد يفاجئنا بمبادراته لولا أنه خبر الحياة بين الماضي والحاضر واستشرف المستقبل، واقتنع بعد ذلك أن القناعة الداخلية في الإنسان مهمة جداً. وقد سمعت سموه يقول ذات مرة: إذا طلبت من إنسان عملاً فقال:أعملُه إن شاء الله لكنه صعب تفاءلت به وبقدراته، وإذا قال: صعب ولكني أعمله فإنني أشك في قدراته، والفرق بين الموقفين واضح.

من أجل ذلك ولأهمية زرع فكرة قهر المستحيل في النفوس، رأى الشيخ محمد بن راشد من موقع رئاسته لمجلس الوزراء ضرورة استحداث وزارة باسم اللامستحيل، استجابة للتحديات التي تواجهنا في السنوات المقبلة، فالتسمية كما تراها غير تقليدية، لأن الشيخ محمد بن راشد رجل الإبداع والابتكار والتجديد غير تقليدي، وقد قال سموه: فإن واقع الإمارات اليوم نتاج أفكار غير تقليدية لقادة غير تقليديين.

فالشيخ زايد بن سلطان، والشيخ راشد بن سعيد، والشيخ محمد بن راشد، والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، والشيخ محمد بن زايد، هؤلاء شخصيات استثنائية، وكل في مجاله ومحيط عمله أصبح شاغل الناس بإبداعاته، واستطاع كل من هؤلاء أن يصنع من المستحيل مستحيلاً ليصبح أنموذج حياة، ويصنف هذا الأنموذج ضمن فلسفة العمالقة أمثال أفلاطون وابن خلدون اللذين خلدهما التاريخ.

وعندما قال سموه بأنها وزارة من غير وزير، أراد بذلك أن يُشعر وزراءه جميعاً بأن قهر المستحيل واجب كل وزير وكل مسؤول، ولن يتأتى نجاح هذه الفكرة إلا من خلال تكاتف الجميع، وحدد لهم مراكز الالتقاء التي هي في المرحلة الأولى: إدارة الخدمات الاستباقية، وإدارة المكافآت السلوكية، وإدارة اكتشاف المهارات، وإدارة منصة المشتريات الحكومية.نعم.. هذه هي دولة الإمارات التي تستشرف المستقبل مرة، وتستبق دول العالم مرة أخرى، والشيخ محمد بن راشد بصفته يرأس الحكومة في هذه الدولة الأكثر تطلعاً للمركز الأول، يهيب بوزرائه ومسؤوليه في كل المواقع أن يكونوا على قدر المسؤولية، والشاعر يقول:

وإذا كانت النفوس كباراً

                          تعبَت في مرامها الأجسام

ويقول المتنبي ذلك الشاعر العملاق الغائب الحاضر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ

                         وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

وتعظُم في عين الصغير صغارها

                         وتصغُر في عين العظيم العظائمُ

وبما أن سموه بالأمس قال عن مستوى الخدمات في بريد الإمارات: «ليس هذا مستوانا ولا خدماتنا، ولن يكون ضمن فريقي من يستمر في تقديم هذا المستوى»، فإن المهمة الملقاة على كواهل الوزراء والمسؤولين كافة، كبيرة وكبيرة جداً، وأنا أتخيل أن المتسوق السري موجود خلال 24 ساعة، وفي كل مواقع العمل الرسمية، فالله يعين المسؤولين.