مع تفاقم الضرر الذي ألحقه الإنسان بالبيئة، والإهمال المستمر من قبل المعنيين والمسؤولين وأصحاب المصالح في كبح الممارسات حتى أصبح وجودنا على الكرة الأرضية مهدداً.
أشير هنا إلى الاحتباس الحراري والارتفاع المستمر على معدل درجات الحرارة والذي من مظاهره ذوبان الجليد في القطب الشمالي وتأثير ذلك على الأحوال الجوية، التي تزداد اضطراباً، ولدرجة خرجت عن السيطرة، ومن مظاهره أيضاً إنهاك طبقة الأوزون التي تحمي كوكبنا وإلى تأثير الصناعة وانبعاثاتها الضارة (وعوادم السيارات أحد أهم مصادرها) على نقاء البيئة، واستقرار الأحوال المناخية وغير ذلك.
وفي المقابل، وعلى مدى العقود المتتالية، اتخذت دول العالم إجراءات علاجية ساهمت في إبطاء تفاقم الأذى وذلك من خلال منع استخدام السوائل المضغوطة لغايات مختلفة، ومنع استخدام المواد البلاستيكية غير القابلة للتحلل واستبدالها بالورق في الاستخدامات اليومية المختلفة، وكذلك التحكم في الانبعاثات التي تضر بطبقة الأوزون، ولكن هذه الإجراءات على أهميتها، وعلى دقة الالتزام في تطبيقها في الكثير من دول العالم لم تعالج إلا القدر البسيط من المعضلة.
فالمشكلة الكبرى هي في الصناعة بمختلف أشكالها، وانبعاثات الكربون المدمرة للبيئة. وتجدر الإشارة هنا إلى اتفاقية الأرض (كيوتو عام 1992) وعدم الالتزام بها واتفاقية باريس عام 2015 والتي انسحبت منها أمريكا منها بقرار من الرئيس ترامب.
ولما كان للتعديلات المطلوبة لحماية البيئة تأثير سلبي على أرباح الصناعات المعنية. كانت ولا تزال هنالك مقاومة شاملة لها، بل إن شركة ألمانية عملاقة فولكس فاجن عمدت إلى تزوير البيانات من أجل إخفاء نسبة الانبعاثات الضارة من مصانعها ما أدى إلى تعرض الشركة للمساءلة القضائية ودفع المليارات من الدولارات كغرامات جزائية.
وعلى غرار ذلك قاومت الصناعات الأمريكية دعوات تعديل منتجاتها (السيارات خاصة) لحماية أرباحها، مما دفع الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية إلى إنكار وجود المشكلة أصلاً وعدم قبول فكرة الانحباس الحراري أو تهديد الصناعة للتوازن المناخي متهماً الصين باختراع الفكرة لإلحاق الضرر بالصناعات الأمريكية! وما قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من معاهدة باريس للمناخ، ذلك القرار الذي أقلق دول العالم، إلا تكريس لهذا المفهوم.
وخلال الأشهر المتلاحقة السابقة، ظهرت تحذيرات جديدة في العديد من الصحف الأمريكية الرئيسية والصحف العالمية، ومن قبل عضو مجلس النواب الأمريكي السيدة الكسندريا اوكازيو كورتيز بأن العالم سيصاب بالدمار خلال 12 عاماً إن لم تتخذ الدول المعنية قرارات جذرية وحاسمة لحماية المناخ من الانهيار المحقق.
ويواجه الرئيس الأمريكي حالياً دعوات لتغيير موقفه الذي إذا استمر سيتسبب في خسارة الرئيس لأصوات الشباب في الانتخابات القادمة. إنه خيار بين أصوات أصحاب الصناعات وأصوات الشباب أصحاب المستقبل.
إن ما يهدد توازن الكون المناخي والبيئي معروفة للجميع ونحن نشهد ونتعرض باستمرار لأخطار العواصف المدمرة والفيضانات، أو الجفاف في بعض المناطق، والأضرار التي تلحق بالغابات والزراعة وارتفاع درجات الحرارة وغير ذلك.
ولكن كل الذي يحدث لا تقارن أخطاره بالذي سيأتي لاحقاً إذا لم تحدث المعالجة السريعة كما ينبه الخبراء والعلماء والمختصون. إنني أضم صوتي لصوت المحذرين والمنبهين لتفاقم الخطر وأوجه دعوة لكل حريص على سلامة الإنسان والأرض التي يعيش عليها لرفع الصوت والدعوة للعمل بسرعة لكبح المأساة القادمة.
وأود أن أذكر أن الأمم المتحدة لمعايير المحاسبية والإبلاغ بدأت منذ 1999 صياغة معايير محاسبية للمسؤولية البيئية بهدف تحديد المسؤولية وتقدير كلفة أي ضرر يلحق بالبيئة من قبل الأطراف المعنية وتحميلها ذلك. وقد أصدر فريق إعداد المعايير تقريراً حول الموضوع ولكنه لم ير النور لأنه (حسب الجانب الأمريكي) يحمل الشركات الصناعية أعباء لا يمكن تحملها.
واليوم أشدد على أن الموضوع في غاية الخطورة وأن أي تأخير في إجراءات المعالجة سيضع العالم أمام كوارث لا يمكن اجتنابها خلال الأعوام القليلة القادمة.
وأختم بأن أوجه نداء لأمين عام الأمم المتحدة أن يرعى قبل فوات الأوان فريقاً من الخبراء في الذكاء الاصطناعي من الصين وأمريكا لإيجاد حلول الانبعاثات السامة لتصبح غير سامة، وذلك كمسار إضافي للحلول البديلة لتخفيف تلك الانبعاثات.