أعرّف الخوف بأنه شعور ناتج عن توقع خطر يهدد الحياة وما يرتبط بها من أحوال.
لن أتحدث عن الخوف حديث أكاديمي علم النفس، ولا عنه بوصفه حالة مرضية فهذا النوع من المعرفة بالخوف متاح لجميع الناس في الكتب والمقالات ومواقع الإنترنت المعرفية. والخوف هذا الذي يدرسه علم النفس هو في الغالب خوف فردي. كخوف الإنسان من المرض قبل أن يمرض، وخوف بعضهم من المكان العالي، وخوف كائن من العتمة، أو خوف هذا وذاك من بعض الحيوانات.
حديثي عن أمر خطير، ويهدد السعادة الإنسانية، يهدد السعادة الجماعية ويهدد وبالتالي السعادة الفردية. ألا وهو الخوف الذي تسعى سلطة ما: اجتماعية أو سياسية أو أصولية لنشره بين الناس. نحن هنا نتحدث عن صناعة الخوف.
لنتأمل الواقعة التالية التي أسردها كما حصلت. دخل إلى المطعم وحين انتهى وهمّ بالخروج، وكان منتشياً، وقعت عينه على صورة كبيرة للرئيس وهو في بزته العسكرية معلقة على المدخل. ولأنه يكره رئيسه، ولأن نشوته الخمرية أضعفت عنده التحسب، قام بالبصق على الصورة. كان وراءه، بالمصادفة، مخبر يعرفه، فرأى ما حصل، وكتب تقرير الوشاية به. في اليوم التالي اقتيد من رجال الأمن، وأمضى سنوات عشراً ونيف في السجن بكل عذابات سجن الطغاة، وفصل من عمله وعاش بقية عمره خائفاً. لم يُقدم لمحكمة، لم يدافع عنه محام، لم يكن السجن عقوبة كان انتقاماً، وإخافة لغيره.
أما الواقعة الثانية المعروفة والمشهورة فهي اغتيال الكاتب المصري فرج فودة. أطلق عليه الأصولي الرصاص أمام مكتبه، كل الخطابات التي قيلت في الرد على علمانيته ومنطقه كانت تنطوي على التهديد بالقتل. إنه أيضاً الإخافة والانتقام.
الطاغية والأصولية يعيشان معاً، ويمارسان سلطة الإخافة معاً، ويتحولان إلى بعبع شاهراً أظافره وأنيابه القاتلة. ففي الوقت الذي وحد الإنسان بين الدولة وسلطتها من جهة والقانون بوصفه حامياً الحق وبخاصة حق الحياة، تتحول الدولة-السلطة على يد الطغاة إلى عدوة للحق والحياة.
وفي الوقت الذي يلجأ الإنسان إلى الله طالباً منه الرحمة والأمن والأمان واللطف بالعباد، والسعادة في الدارين، يحول الأصولي الدين إلى سياسة عنف وقتل باسم الدين نفسه، ويتحول الدين لديه من مصدر مهم من مصادر الوئام الاجتماعي إلى مصدر إخافة المجتمع. أي حياة ممكنة في مجتمع يخاف من سلطتين قاتلتين، هذا الخوف الذي انتشر في بلادنا حطم التطور الطبيعي للحالة النفسية للفرد، والتطور الطبيعي للوعي.
الخوف يجعل من الوجود الإنساني وجوداً زائفاً. ذلك إنه يحملك على الهروب من الظهور الحقيقي. ويحول الكائن إلى مكبوت. أن تعيش في ثقافة الخوف يعني أنك لا تعيش. ما هذا العالم الذي يزرع الخوف في نفوس سكانه.
صناعة الخوف وقد خلقت المجتمع الخائف لا تدري النتائج المدمرة المرتبطة بالشعور بالخوف.
تظن قوى الإخافة بأنها قادرة على التحكم بسلوك الأفراد وفرض ما تريد عليهم.
بل ويصل بها الغباء التاريخي إلى الاعتقاد بأنها قادرة على حمل الناس على حبهم.
هي لا تدري بأن الخوف يولد الكره والحقد، والخائفون ينتظرون الوقت المناسب في التمرد عليه. بل وإن الخوف يشكل أحد أهم مصادر ردود الفعل اللاعقلانية إذا لم يكن هناك عقل واقعي يعرف معنى السيرورة الواقعية والممكنة للحياة الاجتماعية والسياسية.
الأمن والأمان والشعور بالحرية هي القيم التي تحقق الاستقرار المجتمعي، وتحقق الحياة المعشرية بكل حب واطمئنان على المستقبل. لأن أخطر ما يولده الخوف هو الجهل بالمصير. فعندما يخاف المرء على مصيره من قوة غاشمة تفقد الحياة معناها.
* كاتب فلسطيني