بمناسبة الشهر الفضيل وبمناسبة عام التسامح والذي تحتفي به الإمارات في هذا العام، جذبني موضوع مثير حول مفهوم الرفق بالحيوان والذي هو جزء أصيل من عقيدة المسلمين وقد وردت أحاديث كثيرة حول هذا الموضوع، حيث إن الإسلام سبق عصرنا الحديث في هذا الموضوع.

وقد لفت انتباهي قبل فترة عنوان لمحاضرة أثارت فضولي في الموضوع وأردت أن أبحث عن تفاصيلها، خاصة وأننا نحتفي بعام التسامح في الإمارات ونتحدث كثيراً عن المنهج الإسلامي المتسامح بين البشر، ولكن أيضاً هناك أخلاق في التعامل مع الحيوان.

والمحاضرة هي كريستين ستيلت، أستاذة القانون بجامعة هارفرد، وعنوان محاضرتها كانت «هل حقوق الحيوان إسلامية؟» ومن خلال متابعتي لكتاباتها وجدت أنها تقول في أحد الاقتباسات «إن قواعد القانون الإسلامي بشأن الرفق بالحيوان، والتي أسست في القرن السابع، تعمل لحماية الحيوانات أكثر من قوانين أي بلاد اليوم».

ومن الأمور التي يذكرها بعض الباحثين في هذا المجال، هو ما ذكره الباحث ماويل عزالدين أن ملاك الحيوانات حسب القواعد الإسلامية مطالبون بالاعتناء والصرف على حيواناتهم عند كبرهم أو مماتهم وإن عجزوا عن تقديم الخدمات التي كانوا يؤدونها كالنقل.

وفي مراجعة لأعمال كثيرة حول قضية الرفق بالحيوان في الإسلام، تقول الأستاذة في جامعة فلوريدا، ساره تليلي، إن هناك أدلة كثيرة بأن التقاليد الإسلامية تهتم جداً بحقوق الحيوانات، وأنها طورت نموذجاً أخلاقياً للتعامل مع الحيوانات. رغم أن الكاتبة تشير إلى بعض المشاكل في هذا التعامل مثل حق الأدمي في قتل الحيوانات بغرض الأكل.

وتضيف الكاتبة أن هناك تخوفاً عند بعض الشعوب، والإسلامية من ضمنها، والتي عانت من ويلات الاستعمار، من استخدام حقوق الحيوان كمطية لانتقادات توجه بغرض الهيمنة الثقافية. ورغم أنها ترى بأن أهم عمل والذي أدى إلى تأسيس حقوق الحيوان كموضوع قانوني في الغرب بني على مصادر إسلامية.

وفي تحليل للشريعة الإسلامية حول حقوق الحيوان يقول المستشرق جيمس ويسكوت إن للحيوانات حق الشرب. أي من الحقوق التي أعطاها الإسلام للحيوانات حق التمكن للوصول إلى المياه لإطفاء عطشها، مما يوضح الاهتمام التي أعطته الشريعة للكائنات غير البشرية، وكذلك على تفوق الشريعة على القوانين المعاصرة في الغرب.

وتخلص تليلي في مسحها للأدبيات حول التعامل مع الحيوان أن «التقاليد الإسلامية أعطت نظرة معمقة لموضوع الأخلاق والحيوان».

وفي كتيب نشرته الباحثة ستيلت الآنفة الذكر، تقول إن القواعد الإسلامية للتعامل مع الحيوان واسعة وتلزم التعامل بالرفق مع الكائن الحيواني. وتشمل هذه القوانين في التعامل حماية موسعة لحيوانات مخصصة للعمل كالبغال والحمير والخيول. كما أنها تقول إن الإسلام يحض على الذبح الرحيم، وأيضاً تعامل القطط والكلاب بكل رفق ولطف. وتقول للأسف إن المبادئ الإسلامية للرفق بالحيوان بدأت تتلاشى في العالم الإسلامي.

وتستعرض الكاتبة ستيلت عدة نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تدعم فكرة الرفق بالحيوان. ومنها أن امرأة دخلت النار بسبب هرة لم تطعمها ولم تسمح لها الأكل من خشاش الأرض. وإن امرأة دخلت الجنة بسبب كلب كان يلهث من العطش وأغاثته بجلب الماء إليه وإنقاذه.

ولا تكتفي الباحثة باستعراض النصوص بل تنتقل إلى الممارسات العملية في العالم الإسلامي. وتستشهد ببناء الأحواض من قبل المسلمين في مصر لسقاية الحيوانات والتي كانت تقوم بأعمال داخل المدن، وكذلك الحيوانات الضالة مثل الكلاب والقطط. وقد وضعت أوقاف لهذه المشاريع المتعلقة برعاية الحيوان.

وتشير الكاتبة إلى دور المحتسب في مراقبة معاملة حيوانات النقل مثل الحمير والجمال في العصرين الأيوبي والمملوكي في مصر. وإن هناك ضوابط تحكم معاملة هذه الحيوانات. ومن ضمن ما تذكره القوانين الواردة في كتيب الإرشاد أن على المحتسب أن يراقب تناسب حمولة الحيوانات مع القدرة الجسدية لهذه الدواب. كما أن على أصحاب هذه الحيوانات إفراغ الحمولة حالة وصولهم إلى باحات المدينة وعدم تركها على ظهورهم لأن ذلك يسبب لهم أوجاع.

هذا غيض من فيض مما يذكره الباحثون الغربيون حول أخلاق الإسلام في التعامل مع الحيوانات. ولكن الأهم هو السؤال الذي بدأنا فيه المقال «هل الرفق بالحيوان مفهوم إسلامي؟ تجيب الأستاذة ستيلت «لم يكن الأوروبيون أول من أسس جمعيات الرفق بالحيوان وملاجئ الحيوان، بل كان المسلمون من فعل ذلك.

وأن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هو أول من دعا إلى الرفق والرأفة بالحيوان، ودعا الناس لإعطاء الطعام والماء للحيوان ومعاملته بالرفق. إن الرحمة لكل المخلوقات هي من أساسيات الشريعة والتاريخ والثقافة الإسلامية».