الإيرانيون ومن قبل حكم الخمينيين، يسكنهم هاجس الاستحواذ على الخليج العربي، فلم يكن شاه إيران رضا بهلوي، ينظر إلى الخليج بغير أنه (الشرطي) الآمر الناهي والحامي لهذا الجزء من الجغرافيا العربية، تاريخ طويل من التأزيم لمنطقة الخليج، أصاب المنطقة بالتهاب دائم، عرف مضاعفات متزايدة مع الثورة الخمينية، التي واصلت النهج الإيراني المُعادي للعالم العربي، حتى وصلت الحالة إلى حافة الهاوية تماماً.

لطالما هددت إيران محيطها والعالم بإغلاق مضيق هرمز، وتحويله إلى نار ملتهبة، بهدف قطع إمدادات الطاقة من الخليج إلى العالم، أي أن ما نسبته 40 % من النفط سيتوقف، ما يعني ارتفاعاً هائلاً في أسعار الوقود، ما سيترتب عليه نتائج كارثية على اقتصادات العالم، ولكن هذا التهديد الإيراني لا يبدو واقعياً، ليس لتكرار التهديدات التي باتت متلازمة إيرانية مرتبطة مع أزمات إيران الدائمة، فالتاريخ يتحدث عن عملية «دعاء المانتس»، التي شنتها البحرية الأمريكية على السفن الحربية الإيرانية، بعد أن هاجمت الأخيرة سفينة عسكرية أمريكية في أبريل 1988، وكانت نتيجتها أن أغرقت البحرية الأمريكية ثلاث سفن حربية إيرانية، وخمس طرادات أخرى، واضطرت إيران بعد الخسارة لقبول الهزيمة من العراق.

بعد أن أعلن البيت الأبيض وقف كل الإعفاءات للدول المستثناة من استيراد النفط الإيراني مباشرة، أوعزت إيران لذراعها في اليمن، ميليشيا الحوثي، للسيطرة على باب المندب، التي كانوا قد طردوا منها في عام 2015. الاستراتيجية الإيرانية تنطلق من نقل الصراع إلى أبعد نقطة عن حدودها، ولهذا عملت على السيطرة على باب المندب، من خلال وكلائها الحوثيين في اليمن.

على مدار أسابيع، تكبد الحوثيون خسائر فادحة في معارك الضالع، مع استمرار محاولاتهم البائسة لكسر إرادة قوات الحزام الأمني والمقاومة الجنوبية. ورغم تواطؤ القيادات الإخوانية التي سلمت للحوثيين المعسكرات في محافظة إب، إضافة إلى أنواع السلاح المتوسط والخفيف، حققت المقاومة، المسنودة من ألوية العمالقة الجنوبية، ومن القوات الإماراتية العاملة ضمن تحالف دعم الشرعية في اليمن، الذي تقوده السعودية، انتصارات مشهودة، وتمكنت من دحر الميليشيا، وردها على أعقابها.

قد تبدو المعارك في الضالع محلية في بعدها اليمني، الذي اعتاد على الصراع العسكري منذ سنوات سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وبرغم ما يبدو عليه الصراع، فإن معركة الضالع في 2019، هي ذاتها المعركة الرئيسة في اليمن، فالحوثيون الذين خسروا مدينة عدن وباب المندب، يدركون أن لا معنى لسيطرتهم على شمالي اليمن، دون إخضاع عدن لإرادتهم، تنفيذاً لأوامر حكام طهران.

ترسم معارك الضالع حدوداً واضحة للصراع الذي أرادته إيران في اليمن، بأن تفرض سيطرتها على باب المندب، ولهذا كانت جحافل الحوثيين التي غزت عدن في 2015، متوحشة للغاية في سبيل تحقيق الأهداف الإيرانية، فلا معنى لسيطرة الحوثيين على صنعاء بدون عدن، التي من خلالها تستطيع إيران أن تفرض سطوتها على المضيق المائي الحيوي، وهو ما تم إفشاله تماماً، بعد أن حُررت المدينة بعد انطلاق عاصفة الحزم بأشهر قليلة، في معركة تصنف أنها من أهم معارك حماية الأمن القومي العربي.

الاستراتيجية الإيرانية تعتمد على نقل الصراع إلى أبعد نقطة عن الحدود الإيرانية، فمنذ هزيمتها المذلة من العراق في حرب الثماني سنوات، انتهجت هذا النهج، وعليه، تم تشكيل أذرعها في البلدان العربية، ففيما دفع لبنان الثمن باهظاً، نتيجة تهور حزب الله في حرب 2006 مع إسرائيل، كررت حماس ذات التهور لأكثر من مرة، ليدفع سكان قطاع غزة الثمن، يضاف إلى ذلك حالة الانقسام السياسي الذي صنعه وكلاء إيران، ما أسهم في إضعاف الدولة الوطنية الفلسطينية وتمزيقها.

الإيرانيون الذين دفعوا بأذنابهم الحوثيين لغزو العاصمة المحررة عدن، خسروا وسيخسرون في الضالع، فالمعادلة لا تقبل الانكسار، فالعودة إلى عدن، هي المستحيل، وعلى إيران أن تتحمل نتيجة سياساتها الخاطئة، ولهذا لجأت طهران عبر الحوثيين، إلى استهداف السعودية بعمليات إرهابية، اعتادت الرياض على التعامل معها ولجمها، وهو ما سيرمي بالإيرانيين لنقل صراعهم إلى وكلاء آخرين في العراق ولبنان.

لطالما كانت إيران تعتقد أن سياساتها قادرة على فرض نفسها، ولطالما راهنت إيران على قدرة وكلائها، بقدرتهم على تغيير المعادلات لمصلحة النظام الإيراني، لكن في الضالع، فشلت السياسة الإيرانية بإعلان قوات الشرعية «معركة قطع النفس»، التي نجحت في قطع نفس الحوثيين، وبددت أحلام الإيرانيين، وضيقت عليهم المناورة، ليواجهوا الصرامة الأمريكية في زوايا لن تكون باب المندب جزء منها.