البحرين تستعد لأهم مشروع سياسي في المنطقة، إن لم يتم إجهاضه، وها هو يعاني في المنامة، أول عقبة. البدايات دائماً صعبة، الاحتجاجات والمقاطعة ليست مفاجئة، فالهجوم على المشروع متوقع، مع أنه لم يعلن بعد عنه بشكل رسمي، الحكومات تعرف خطوطه الأولى.

ربما تكون صفقة القرن، أعظم فرصة للفلسطينيين ليؤسسوا منها دولتهم أخيراً، أو قد تكون الجنازة لدفن القضية الفلسطينية. والحكمة تقول بأن ننتظر حتى نرى التفاصيل.

الذي أذيع الأسبوع الماضي بعض من المشروع الاقتصادي، أفكاره جيدة، لكن ينقصه إعلان الثمن، ما المطلوب لقاء الخمسين مليار دولار؟ حيث نعرف بالممارسة أنه ليس هناك غداء «ببلاش». ومن المناسب، التذكير أن ليست كل المواقف المؤيدة أو الرافضة، صادقة، وليست بالضرورة حباً في الشعب الفلسطيني، أو تأييداً لحقوقه المشروعة.

المواقف من مشروع السلام معروفة سلفاً إلى حد كبير، مثلاً:

إيران وحزب الله لبنان: ضد المشروع مهما وعد، لأن أجندة طهران مبنية على أن تكون إيران من يقرر مصائر المنطقة، بما يخدم مصالحها التوسعية.

لبنان: موقف الرئاسات والحكومة، السير خلف حزب الله خوفاً، مع التذكير بأن لبنان الآن يفاوض إسرائيل، عبر وسيط، على مناطق استثمار النفط والغاز البحرية المشتركة، وفي نفس الوقت، يعترض ويستنكر على الفلسطينيين التفاوض مع إسرائيل على مصالحه.

سوريا: من المتوقع أن تنسجم مع الموقف الإيراني، صاحبة القرار على الأرض السورية في الحرب الأهلية هناك.

مصر ودول الخليج: غالباً ستؤيد موقف السلطة الفلسطينية سلباً وإيجاباً، مستخدمة عبارات فضفاضة، لأنها لا تريد صداعاً، وتتحاشى المخاطرة بعلاقاتها مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، وأيضاً لا تريد أن تتحمل أي مسؤولية. ولهذا، سبب رفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، مشروع كلينتون، مع أنه كان معقولاً، السبب أنه وقف وحيداً يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار، بعد أن أبلغه زعماء المنطقة، حينها قالوا إنها مسؤوليته.

قطر: كالعادة، تبحث عن دور ما، لهذا، هي حرضت ضد مؤتمر البحرين، لأنه عقد فيها، فالبحرين عدوتها الخليجية القديمة، وفي نفس الوقت، حجزت لنفسها مقعداً فيه، وستحضر ضمن المشاركين. وسارعت بمنح السلطة الفلسطينية فجأة، أربعمئة وخمسين مليون دولار. دعم كريم غير مألوف من القطريين لسلطة عباس، يحاولون من خلاله إدارة ردود الفعل الفلسطينية، ولعب دور الوسيط خلالها.

الأردن: مؤيد لفكرة السلام، وإن كان يصرح بمواقف معاكسة غير مقنعة، وذلك للاستهلاك المحلي، كالبقية، ينتظر التفاصيل والمواقف العربية الرئيسة، وسيسير خلف السلطة الفلسطينية.

السلطة الفلسطينية: لأنها تمثل الشعب الفلسطيني، فهي صاحبة الكلمة الأخيرة. كما هو متوقع، بدأت بـ «لا»، وأنها ستقاطع مؤتمر البحرين، لكنها تركت الباب موارباً، تريد التعرف إلى وعود المؤتمرين. والأرجح ستنخرط السلطة لاحقاً، وستقبل بالمشاريع والدعم، دون أن تقدم التزامات سياسية صريحة.

حماس: الفريق الفلسطيني الأصغر، من الطبيعي أن ترفض، لأنها أولاً غير مدعوة، وضد اعتماد السلطة الفلسطينية ممثلاً وحيداً، إضافة إلى أن حماس تجلس في المعسكر المعادي مع إيران، وقد يكون لها دور مفيد لاحقاً، رغم معارضتها العلنية الآن. أمر لم يغب عن فريق المهندس جاويد كوشنر.

إسرائيل: بخلاف السلطة الفلسطينية، تبدو متحمسة جداً، لكنني أراهن على أنها ستخرب المشروع بالمماطلة والاعتراضات. تعتقد إسرائيل أنه ليس في مصلحتها أن تقدم أي تنازلات، وهي مضطرة لمجاملة إدارة ترامب في المراحل الأولى.

بقية الدول العربية، عادة، تفضل تبني بياناً مشتركاً من خلال الجامعة العربية، ومصر هي من سيقود الموقف. أما الدول الكبرى جميعها، ستكون مؤيدة إن سار المشروع كما يخطط له، بما في ذلك روسيا والصين. وتركيا ستلعب دور المعارض والمحرض، لكن وزنها محدود في هذه القضية، وستحاول المساومة عليه، ضمن قضاياها الخلافية المتعددة مع واشنطن.

في النهاية، إن كان المشروع حقاً يعطي الفلسطينيين دولة وأرضاً وسلطة، فإن العالم سيدعمه، وإن كان مجرد مشروع لمنح إسرائيل شرعية على ما تبقى من أرض فلسطين، فإنه لن يبحر بعيداً عن المنامة.