حيث توجد المياه توجد الحياة..
مما لا شك فيه أن لا حياة بلا ماء، سواء العذب منه أو المالح، ولا ننسى مياه البحار، وأهميتها في الثروات البحرية والنقل وغيرها، كما مياهها المالحة مصدر رئيسي للماء العذب، حيث يتبخر منها مئات الأطنان ويصعد سحباً في السماء تسقط أمطاراً عذبة حسبما يشاء الله، وامتزج الماء بكافة جوانب الحياة الإنسانية، حتى الثقافة والأدب والشعر، ومن ينسى أنشودة المطر، التي ما زال الناس يستمعون إليها بكل الانتماءات الاجتماعية، ومن ينسى مقولة إن مصر هي هبة النيل. عبارات كثيرة تؤكد دور وأهمية المياه في الحياة.
حروب المستقبل لن تكون على مياه الشرب فقط، كما يعتقد الكثيرون، بل ستكون أيضاً على مياه الملاحة في كل أرجاء العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تقع فيها أهم البحار والقنوات والمضايق التي تعبر من خلالها معظم سفن العالم بمختلف أنواعها وحمولاتها، خاصة ناقلات النفط، كما يشهد القطب الشمالي صراعاً كبيراً بين الدول الواقعة عليه، خاصة روسيا والولايات المتحدة، والصراع سيكون على ثرواته من مصادر الطاقة من النفط والغاز، والتي تقدر بربع الاحتياطي العالمي، من هنا علينا أن ننتبه إلى ما يؤكده الخبراء من أن حروب المستقبل هي المياه، سواء مياه الشرب والري، أو مياه الملاحة، ولعل المحاولات العديدة لإيران أن تتحكم بمياه الخليج العربي، سواء أيام شاه إيران محمد رضا بهلوي، أو من جاءوا للسلطة ممن يدعون أنهم رجال دين، وتهديدات الملالي في إيران بإغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة الدولي، ما هي إلا استغلال للمياه بنوايا سيئة وطموحات نفوذ وهيمنة، وأحلام يقظة، وتضليل للرأي العام العالمي بشكل من الأشكال.
كم من الحروب اندلعت على مر التاريخ بسبب الماء، سواء ماء الشرب والزراعة أو مياه الملاحة البحرية والنهرية، ولم تنشأ الحضارات التاريخية ولم تنمُ إلا بوجود الماء، من حضارات قدماء المصريين وبابل واليونان والإغريق، إلى وقتنا هذا، الماء يعني الحياة، وكوكب الأرض هو كوكب الحياة على المعلوم لدينا؛ نظراً لوجود الماء، قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30]، فمنه يُعلم بأنَّه قوام كل روح وفاعليته، والروح هي الحياة التي تختلف أشكالها من مخلوق لآخر، فما كانت الصحراء إلّا لانعدامها، ولا كانت الكثبان إلا حنيناً إليها.
ويعدّ الماء أحد أهمّ الموارد الموجودة على سطح الأرض، والتي لا يمكن لأي كائنٍ حيّ على الإطلاق الاستغناء عنها، فنحن نشهد في العالم اليوم العديد من المناطق المنكوبة بسبب قلة المياه والعديد من الأطفال والأشخاص الذين يموتون بسبب عدم توافر المياه العذبة لديهم للشرب، كما نلاحظ ازدياد ظاهرة التصحّر في العالم والتي من أسبابها نقص المياه أيضاً أو تلوّثها بسبب الأفعال البشرية المختلفة من الاستخدام الجائر للمياه وحتى رمي مخلفات المصانع في مياه الأنهار العذبة.
الماء ثروة كبيرة، وقد تفوق في قيمتها قيمة النفط والغاز وحتى الذهب، فبدون الماء لا حياة، والصراع على الماء قادم لا محالة، فالبشر يزيدون والماء الصالح للشرب محدود، والتلوثات تنتشر في مياه أنهار وبحار العالم، والإنسان لا يعرف قيمة الشيء إلا بعد فقدانه، وإذا كانت الحروب تشتعل الآن من أجل المال والنفوذ، فالعالم تنتظره حروب أكثر ضراوة وبشاعة بسبب الماء الذي هو سر الحياة على الأرض، والذي لا يستطيع الإنسان الاستغناء عنه لفترات قصيرة، لهذا فإنه يتوجب على المجتمع الدولي أن يبدأ من الآن وبفاعلية دراسة مشاكل المياه وكيفية حلها، ولا ننتظر حتى تأتي هذه المشاكل ولا نستطيع تحملها.
* كاتب إماراتي