في العالم رجال قليلون استطاع كل منهم أن ينطوي على عالَم كبير مفعم بالخير والعطاء، واستطاعت الإمارات العربية المتحدة أن تنجب أحد أولئك الرجال العباقرة المتميزين، وهو اليوم يعيش بين أظهرنا قامة تفتخر بها كل القامات، وصرحاً حضارياً قائماً بالقسط، ينتقل من إنجاز إلى إعجاز، ومن فوز إلى فوز وإحراز.

ذلك العبقري هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الفارس المُفحِم والشاعر المُلهم، الذي أصبح اليوم أملاً تتمناه كل دولة أن يكون على رأس حكومتها كرجل أنموذج، قادر على البيان والتعبير، والإتقان والتعمير، وواثق بأنه لا مفر من التغيير، ولا غنى عن الإبداع والتطوير.

تكمن عبقريته في تحدر سموه من أشرف القبائل وأعرقها أباً وأماً، تخرّج في مدرسة المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ذلك القائد المؤسس، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الحاكم الوالد.

50 شمعة

لو عدنا مرة أخرى إلى كتاب سموه «قصتي» الذي تناول خمسين قصة أو خمسين شمعة مضيئة في سماء الإمارات أو الكون أجمع، لوجدنا أن الكثير من مضامينه يحتاج إلى قراءة متعمقة ومتأنية منا، لنكتشف المزيد من حياة هذا الفارس العظيم الذي لا يزال مُصراً على أن يبقى شاغل الدنيا ومن فيها.

وأقول الفارس لأن الفرسان فعلاً يركبون الأخطار تلو الأخطار، ويصلون الليل بالنهار في عمل واقتدار، غير مبالين بمن جاء ومن سار.

حكمة

صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، كل أمره خير، إن تكلم تكلم عن حكمة، وإن سكت سكت لِحكمة، ينابيعه فياضة لا تنضب، وعطاياه لا تتوقف، وقلمه سيال لا يكل ولا يتعب، وفكره نير دائماً لا يتغيهب.

نعم.. وإن أسمى وأنبل إيجابية لدى سموه أنه لا يستسلم لليأس أبداً، ويبقى على الأهوال جلداً حتى آخر رمق، ولعمري هكذا ينبغي أن يكون القائد الناجح، وإلا كيف يسطر النصر.

لذلك فإن الأزمات مهما يكن شكلها أو حجمها أو مصدرها، فإنها لا تعني شيئاً بجانب ثقة سموه بربه وثقته بنفسه، وهو القائل في كتاب قصتي: «نفتش دائماً عن الإنسان في الإنسان ونبنيه، ونزرع الخير دائماً للناس، كل الناس وننفعهم، لا توقفنا أزمات، ولا تبطئنا عقبات، ولا نلتفت لمشكّك ولا نستمع لمتردد، والله يعلم أننا عملنا واجتهدنا بما استطعنا».

نعم.. نعم يا سيدي، نعيش مع أمثال هؤلاء المشككين كل يوم، ولكننا نشاهد في الجانب الآخر سموك تعلو عليهم علو السحاب، تقف لهم بالمرصاد، تبطل أحبال تشكيكهم فتلة فتلة، وتقدم للعالم براهين دامغة على شكل إنجازات مبهرة تثبت تفرد سموك كقائد استثنائي، وقائد ناجح بكل المعايير.

أقول وإنني بل وإنكم جميعاً أيها القراء رأيتم بأم أعينكم أن الإنسان إذا نجح في عمله كثر حاسدوه، لكن ماذا سوف يجني الحاسد الغيور من حسده؟ غير أن يتحول حسده إلى دار نشر كبيرة لتتولى نشر فضائل المحسود بشكل أسرع، ورحم الله أبا تمام إذ قال:

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طُويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يُعرف طيبُ عَرف العود

إصرار

ليس العزم والإصرار بمذمومين طالما يؤديان في النهاية إلى العزة والانتصار، ولنا في أوائلنا أسوة حسنة، فبالأمس القريب رأينا كيف نجح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، في رؤيته التنموية وخطته الإصلاحية، عندما خالف الخبراء والمهندسين، وبحث بنفسه عن الماء في صحراء «ليوا» من إمارة أبوظبي، ففجر ينابيع المياه في أرض لم تكتشفها أجهزة الخبراء الأجانب.

ونجح أيضاً المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، عندما بنى المركز التجاري في ذلك المكان يوم كان المكان قفراً، رغم أنهم قالوا إن الأرض لا تتحمل، ونجح أيضاً عندما شق اليابسة في تلك الصحراء ليبني أكبر ميناء في العالم، وها هو اليوم موضع انبهار العالم.

ونجح محمد بن راشد في بناء أعلى برج في العالم «برج خليفة»، وبالمناسبة مشاريع محمد بن راشد الإعجازية اليوم كثيرة، ولا أظن أنها تعد أو تحصى بسهولة، ويكفي أن رجل الفضاء الذي يصعد اليوم على سطح القمر لا يشاهد من هناك إلا معالم محدودة جداً يأتي في صدارتها جزيرة نخلة دبي وسور الصين العظيم، ويكفي أيضاً انطلاق رحلة الفضاء العربية من الإمارات بإرادة وإدارة إماراتية ولأول مرة.

ورود

هكذا إذن دولة الإمارات اليوم، تشكل وروداً مزروعة ضمن منطقة تشمل بعض الأشواك، فما عليها لو تضايقت حيناً من تلك الأشواك.

وإن الأشواك مهما تتغطرس وتتجبر على الورود، فإنها نوع من الحطب لا رائحة لها بل دخان يتصاعد ليتبخر بعد قليل، وإن الرائحة العطرية الفواحة التي تنبعث من بين الأشواك لتنتشر في الأرجاء هي رائحة الورود.

فلنبتسم نحن للوردة كلما تفتحت لنا لتنعش أرواحنا، ولنقتنع جميعاً بأن إيقاد شمعة تضيء الظلام أحسن من أن نمضي لنلعن الظلام، ولنردد مع أبي القاسم الشابي قوله وكلنا تفاؤل بالحياة:

سأعيش رغم الداء والأعداء

كالنسر فوق القمة الشماء

لا أرمق الظل الكئيب ولا أرى

ما في قرار الهوّة السوداء

وأسير في دنيا المشاعر حالما

غردا وتلك سعادة الشعراء

النور في قلبي وبين جوانجي

فعلام أخشى السير في الظلماء؟

وأقول للجمع الذي تجشموا

هدمي وودوا لو يخر بنائي

إني أقول لهم ووجهي مشرق

وعلى شفاهي بسمة استهزاء

إن المعاول لا تهدّ مناكبي

والنار لا تأتي على أعضائي

سلّم الله الإمارات، وسلّم من يسهر على أمنها وأمانها، نفديك بالأرواح يا وطن.