من سمات مجتمعات المعرفة امتلاك حاويات فكرية Think Tanks، ضمن منظومة بنيتها التحتية ومكوناتها وهي ما يعرف أيضاً ببيوت الخبرة، وهي منظمات قومية غير ربحية، نشطة وفاعلة تهتم بالبحث والتطوير، وتساعد في وضع استراتيجيات الحرب والسلم، وفي وضع خطط التطور المعرفي والعلمي، وحتى دراسة الظواهر المجتمعية العارضة منها والمزمنة.

ويتسم الأفراد في المجتمعات المعرفية بثقافة معرفية وعلمية كبيرة مكتسبة من توارث إنتاج المعرفة واستخدامها بقدر انتشار المراكز البحثية والحاويات الفكرية فيه.

إن عمل مراكز الأبحاث أو الحاويات الفكرية من منظور عام هو الحياة، وثمة رأي يتفق عليه 12 ألف عالم حول العالم، بل وثمة عقيدة راسخة لديهم بأن الشيء الوحيد غير قابل للشفاء هو الشغف الإنساني، أما بقية الأمراض التي يعتبرها العالم اليوم أمراضاً عصرية فبفضل الحاويات البحثية فإنها قابلة للشفاء، حيث ينفق العالم اليوم أكثر من خمسة مليارات دولار تبحث عن علاجات المستقبل. وتلك أحد فروع عمل الحاويات الفكرية والمراكز البحثية واهتماماتها في مجتمعات المعرفة.

وما زال عدد كبير مما يسمى بالحاويات الفكرية ومراكز الأبحاث يكتنفها الكثير من الغموض أحياناً لدى الكثيرين، على الأقل من الناحية الإيديولوجية، رغم ذلك فهي تلعب دوراً هاماً في تحديد القضايا والأفكار لكل من الحكومات والجمهور.

ويشكل معظم هذه المراكز البحثية أو الحاويات الفكرية جزءاً مهماً للغاية من مكونات صياغة السياسة العامة لدى معظم الدول الكبرى ومعظم الناس لا يفهم عمل هذه المؤسسات ومدى أهميتها.

هذه المراكز الفكرية تشبه الجامعة، لكن بدون الطلاب، حيث يشارك العلماء في البحث بدوام كامل. في مركز أبحاث، يعتقدون ويكتبون ويفكرون ويقرأون ويتجادلون ويناقشون ويصدرون جميع أنواع المنشورات المتعلقة بكل شؤون الحياة وسياسات الحكومة.

وتهدف هذه الحاويات الفكرية إلى تحسين العالم بشكل رئيس، ويسعى العاملون فيها من العلماء إلى أن يكون لهم تأثير ملموس في حياة الناس، وبما في ذلك أيضاً العملية السياسية للدولة.

لقد ساعد تأثير العولمة على انتشار مراكز الفكر (Think Tanks) في مناطق مثل إفريقيا وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وأجزاء من جنوب شرق آسيا، ويبذل المجتمع الدولي جهوداً متضافرة للمساعدة في وضع سياسة عامة مستقلة للمنظمات البحثية.

وتؤكد دراسة استقصائية حديثة أجراها برنامج الفكر والمؤسسات المجتمعية التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكية أهمية هذا الجهد ويوثق حقيقة أن معظم مراكز البحوث في هذه المناطق قد أنشئت خلال السنوات العشر الماضية. يوجد حالياً أكثر من 4500 من هذه المؤسسات حول العالم. تركز العديد من المؤسسات الفكرية الأكثر رسوخاً، والتي تم إنشاؤها أثناء الحرب الباردة، على الشؤون الدولية والدراسات الأمنية والسياسة الخارجية.

وتختلف مؤسسات الفكر والرأي باختلاف وجهات النظر الإيديولوجية ومصادر التمويل والتركيز الموضعي والمستهلكين المحتملين، فبعضها مؤسسات للفكر والرأي، وهناك مؤسسات للتراث، التي تروج للمبادئ المحافظة، والبعض الآخر يركز على الموضوعات الاجتماعية والبيئية، وثمة مجموعات أكثر توجهاً نحو القضايا.

وتحدد مصادر التمويل والمستهلكون أيضاً طريقة عمل مؤسسات الفكر والرأي، حيث يتلقى البعض مساعدة حكومية مباشرة، بينما يعتمد البعض الآخر على الأفراد أو الشركات المانحة الخاصة. وهو ما يؤثر بدوره دائماً على درجة الحرية الأكاديمية داخل مثل هذه المؤسسات. كما أنه يحدد ما تريد المؤسسة من التأثير فيه والتشديد عليه على سبيل المثال، «يريد بعض المانحين لهذه المؤسسات التأثير على الأصوات في البرلمان أو تشكيل الرأي العام، بينما يرغب آخرون في تعيين أنفسهم أو الخبراء الذين يمولون وظائف حكومية مستقبلية، بينما يريد آخرون دفع مجالات محددة من البحث أو التعليم».

ولذلك لا بد من التشديد على أهمية استقلال مثل هذه المؤسسات من ناحية التمويل على الأقل لتنصرف نحو الاهتمام نحو الشأن العام والتأثير على أهمية إصلاحه بعيداً عن أي إملاءات وأيضاً كون هذه الحاويات الفكرية تمثل وجهاً من وجوه مجتمعات المعرفة، التي يفترض بها أن ترقى بالمجتمع معرفياً وعلى كل الصعد بعيداً عن المصالح الشخصية الضيقة. وللحديث بقية.

Ⅶ مستشارة اقتصاد معرفي