انتقلت المجتمعات المعرفية من النظم الاقتصادية القائم إنتاجها على الموارد إلى النظم الاقتصادية القائم إنتاجها على المعرفة، وكانت هذه علامة أخرى من علامات التحول المعرفي.

ولأجل ذلك، كان لابد من أن تصبح نظرة العديد من حكومات المجتمع المعرفي متعاظمة بشكل أكبر على «المعرفة» و«الابتكار» كرأسمال جديد، وكقوى دافعة ومهمة في النمو الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية، وخلق فرص العمل. وفي هذا الإطار، أصبح تعزيز «نقل المعرفة» موضوعاً للسياسة العامة والاقتصادية.

يشير مصطلح نقل المعرفة في النظرية التنظيمية إلى المشكلة العملية لنقل المعرفة من أحد أجزاء المنظمة إلى جزء آخر. والقول بأنها مشكلة لا يعني أكثر من اتسامها بالصعوبة البالغة.

ويعرف نقل المعرفة وفقاً لبعض الأدبيات بأنه العملية التي تتأثر من خلالها إحدى الوحدات (على سبيل المثال، مجموعة أو قسم، أو إدارة، أو كادر) بخبرة وحدة أخرى. ويمكن لمس التغيرات الحاصلة لقياس نتائج نقل المعرفة إلى الوحدات الأخرى في تطور معرفة هذه الوحدات وأساليب أدائها.

وشأن نقل المعرفة شأن إدارة المعرفة، حيث يهدف نقل المعرفة إلى تنظيم المعرفة، وتكوينها، واكتسابها، وتوزيعها، إلى جانب ضمان توفرها للمستخدمين في المستقبل. ونقل المعرفة ليس مجرد مشكلة اتصال.

فلو كان كذلك، لكان من الممكن إنجازه عن طريق مذكرة، أو بريد إلكتروني أو اجتماع. لكن نقل المعرفة أكثر تعقيداً لأن المعرفة تكمن في كلٍ من الأعضاء والأدوات والمهام والشبكات الفرعية لكل هذه العناصر في المنظمة. أغلب المعرفة في المنظمات ضمنية أو يصعب التعبير عنها بوضوح لذلك فالتحدي يكمن في نقلها من الحالة الضمنية إلى الحالة الصريحة والظاهرة.

وقد تناولت العديد من المؤلفات الحالية عن الابتكار الافتراض الضمني الذي يشير إلى احتمال تزايد التعاون بين الصناعة والجامعات. وبوجه خاص، يعتمد بوضوح توجه الابتكار المفتوح لتطوير قيمة الأعمال على الافتراض بأن الجامعات تمثل «مصدراً أساسياً للوصول إلى الأفكار الخارجية». هذا فضلاً عن أن الجامعات قد اُعتبِرت «المصدر العظيم المجهول إلى حد كبير وغير المُستغَل بالتأكيد لتكوين الثروة والتنافسية الاقتصادية».

وفي سياق الشركات والمؤسسات يعتبر نقل المعرفة مهمة أساسية من مهمات إدارة المؤسسة، حيث إن تطوير الموارد البشرية يعتمد على نقل المعرفة لها من الكوادر ذات الخبرة وذات المعرفة العميقة ويتجسد نقل المعرفة هذا من خلال تحويل المعرفة الخاصة والضمنية لهذه الكوادر إلى معرفة ظاهرية يمكن ملاحظة تمثلاتها في الموارد البشرية التي استقتها وتم تعليمها لها.

ويتمثل نقل المعرفة باستقدام الخبرات الأجنبية لأغراض تدريبية للموارد البشرية تقنياً وإدارياً، وشراء التقنيات وبراءات الاختراع التي تسمح بالتوسع الصناعي، وتشجيع الشركات التكنولوجية العالمية عبر منحها التسهيلات اللازمة لحثها على افتتاح فروع لها، ابتداء من متاجر بيع مباشرة مروراً بإنشاء مراكز بحثية، وانتهاء بمصانع وخطوط إنتاج جزئية أو كاملة.

بالإضافة إلى جلب الشركات الأجنبية العالمية وتوطين التقنيات المتقدمة يمكن أن يكونا أيضاً عبر الاستحواذ الكامل أو الجزئي على تلك الشركات.

لقد كان إنتاج رصيد المعرفة والتكنولوجيا العالمي حتى وقت قريب، يتركز في عدد قليل من الاقتصادات الصناعية، الكبرى. وخلال الفترة من عام 1995 إلى عام 2014، أنتجت البلدان الرائدة في مجال التكنولوجيا في مجموعة الخمسة، وهي: الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة - ثلاثةَ أرباع الابتكارات المسجلة كبراءات اختراع على مستوى العالم.

لكن مع وجود العولمة والتقدم في تكنولوجيا المعلومات، زادت إمكانات نقل المعرفة بسرعة أكبر وإلى مسافة أبعد زيادة حادة، ما أتاح فرصاً أكبر أمام اقتصادات الأسواق الصاعدة للتعلم من بلدان أخرى متقدمة تكنولوجياً وبناء قدراتها الابتكارية. وللحديث بقية.

Ⅶ مستشارة اقتصاد معرفي