تمر علينا الذكرى السادسة والأربعون لحرب أكتوبر، والعالم العربي يمر بأحداث كبيرة تجعل من التوقف عند هذه الحرب نوعاً من الترف الفكري، أو تمريناً عقلياً دون طائلة. ولكن الموضوع ذو أهمية لسببين رئيسين: أولاً، لأن هناك مراجعين مشككين لتاريخ هذه الحرب والذين يعتبرون على عكس ما يعتقد الجميع بأن حرب أكتوبر لم يكن نصراً مؤزراً كما يعتقد كثير من العرب.
ثانياً، مهم معرفة الغث من السمين في حرب أكتوبر؛ وإذا ما تحقق فعلاً انتصار حقيقي للعرب أو وهم. والأجيال الحالية والقادمة تتعلم من هذه الحادثة التاريخية المهمة والتي قد تعتبر نقطة تحول في الصراع العربي-الإسرائيلي.
ولكن قبل كل شيء يجب أن نفهم ما هو الانتصار في الحرب. قد تكون الإجابة لهذا السؤال متعددة حسب الباحث أو المؤرخ.
ولكن لنأخذ على سبيل المثال حرب 1967، والذي لا يختلف عليها عاقلان ولا يتناطح حولها عنزان، بأن إسرائيل كسبت تلك الحرب. فما هي دلائل ذلك الانتصار لمعرفة هل تنطبق على حرب أكتوبر.
تعتبر حرب يونيو انتصاراً لإسرائيل لعدة أسباب. ولكن الأهم، استطاعت إسرائيل أن تحتل أراضي عربية أربعة أضعاف حجمها قبل الحرب «13 ألف كيلو متر مربع وبعد الحرب 42 ألف كيلو متر مربع». خسرت مصر كل سيناء إضافة إلى قطاع غزة، وخسر الأردن الضفة الغربية ومدينة القدس، وخسرت سوريا مرتفعات الجولان بالكامل.
بينما لم يتقدم العرب مسافة في الأراضي الإسرائيلية. وقد اعترف العرب بخسارتهم المدوية في تلك الحرب، وشعروا بالمهانة فيها، وأسموها النكسة. وأعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مسؤوليته عن الهزيمة وقدم استقالته، إلا أن خروج الجماهير المصرية إلى الشوارع أدى عبد الناصر إلى العدول عن استقالته.
بالنسبة لحرب أكتوبر 1973، فإن القوات المصرية والسورية استطاعت بالقيام بما عرف بالخداع الاستراتيجي وتوجيه ضربة قاصمة للجيش الإسرائيلي على الجبهتين السورية والمصرية. واستطاعت القوات المصرية من اختراق خط بارليف المنيع، والعبور شرق القناة والتوغل نحو 20 كم في أراضي سيناء المحتلة. كما تمكنت القوات السورية من التوغل في الجولان.
وبسبب الهزيمة المتوقعة لإسرائيل حيث أعلن موشى دايان، وزير الدفاع، بأن المعبد الثالث سينهار في إشارة إلى الكيان الإسرائيلي، أمرت رئيسة الوزراء، جولدا مائير، بوضع الأسلحة النووية على أهبة الاستعداد بتحميل قنابل نووية تكتيكية على رؤوس صواريخ أريحا وطائرات فانتوم الإسرائيلية، مما حدا بواشنطن إلى تشكيل جسر جوي في عملية عرف بـ«نيكل قراس»، لإعادة تزويد وتعويض الجيش الإسرائيلي على ما فقده من عتاد.
وبدأت إسرائيل بالهجوم المضاد ضد القوات المصرية في سيناء وسوريا في الجولان. عندها أصدر الرئيس أنور السادات أوامره للقيادة العسكرية بالتقدم في سيناء لتخفيف الضغط عن سوريا والتي بدأت تخسر مواقع كسبتها في بداية الحرب. كما أن السادات كان يتأمل من تقدمه تدخل القوى العظمى لفرض حل يعيد لمصر أراضيها المحتلة.
وقد اعترض رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي ومعه القادة الميدانيين على أساس أن التقدم يضع القوات المصرية خارج غطاء الصواريخ المضادة للطيران وتصبح منكشفة لطيران العدو. ولكن إصرار القيادة السياسية تغلبت على إرادة العسكرية في نهاية المطاف.
ولم يقتصر الدور الأمريكي على تقديم العتاد لإسرائيل، بل تعداه لتقديم معلومات استخباراتية لإسرائيل حول مواقع الجيش المصري. وكانت طائرة استطلاع أمريكية من طراز إس آر-7 تحوم فوق أجواء المعركة. ولم تستطع الدفاعات الجوية المصرية من التعامل معها بسبب ارتفاعها الشاهق.
وبعد أن قدمت المعلومات لإسرائيل عن ثغرة في تشكيلات القوات المصرية بسبب تقدم بعض قطاعات الجيش بأوامر الرئيس، استطاعت إسرائيل أن تلتف على الجيش الثالث المصري فيما عرف بثغرة الدفرسوار وتم حصار الجيش الثالث من قبل القوات الإسرائيلية.
وكاد أن يتحول النصر إلى هزيمة للجيش المصري. ولكن تدخل القوى الكبرى، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أدى إلى وقف إطلاق النار على كل الجبهات، بينما كانت القوات الإسرائيلية تبعد أربعين كم عن دمشق.
ولكن عوداً على بدء، ما هي نتيجة الحرب؟ وصلت خسائر الطرفين نسبياً إلى أعداد متساوية في الأرواح والعتاد. ولكن الطرفين السوري والمصري حققا نجاحاً محدوداً.
انتهت الحرب وفض الاشتباك بكسب أراض جديدة على حساب الاحتلال الإسرائيلي. فقد حررت مدينة القنيطرة والتي سقطت في أيدي إسرائيل في حرب 1967، كما حررت أراضي غرب السويس بالنسبة لمصر واستعادت السيطرة الكاملة على قناة السويس.
الأهم سياسياً، أن القيادة الإسرائيلية اعترفت بالإخفاق في حرب أكتوبر، وضغطت القيادة الإسرائيلية على غولدا مائير رئيسة الوزراء على الاستقالة والتي تمت في 1974. وقد ذكرت في مذكراتها حسب المصادر «ليس أشق على نفسي من الكتابة عن حرب أكتوبر 1973».
وإذا كانت الحرب هي استمرار للسياسة، ولكن بوسائل أخرى، كما يقول المفكر العسكري الألماني كارل فون كلاوزفيتز، فإن مبادرة السادات لحل سلمي في العام 1971 قوبلت بالرفض من قبل حكومة مائير حينها، ولكن قبلت بعد الحرب إيقاناً من إسرائيل بأنها لم تعد قوة لا تقهر.
وأخيراً، فإن حرب أكتوبر كانت نقطة مفصلية في تراجع إسرائيل عسكرياً. منذئذ لم تكسب إسرائيل حروبها في 1982، الانتفاضتين الفلسطينيتين أو في 2006 أو ضد سكان غزة في 2008، 2012 أو 2014.