مع بدايات عصر التكنولوجيا والإنترنت قيل أن العالم أصبح قرية صغيرة، لكن الحقيقة أن هذه المقولة قد تحققت عام ١٩٥٧، أي قبل عصر الإنترنت بكثير، وتحديداً عندما أطلق الصاروخ الفضائي الأول «سبوتنيك١» إلى خارج حدود هذا العالم.

ولم تكد تمر سوى أعوام قليلة منذ «سبوتنيك الأول» حتى كان ميلاد اقتصاد الفضاء قد دُشن فعلياً بأول استغلال تجاري للفضاء، مع إطلاق القمر الاصطناعي (تلستار1) عام 1962، والذي استخدم حينها لنقل إشارة البث التلفزيوني عبر المحيط الأطلنطي، من القارة الأوروبية إلى الولايات المتحدة، بالإضافة أيضاً إلى المكالمات الهاتفية، ورسائل الفاكس، واستخدام نظام تحديد المواقع «جي. بي. إس»، والمتعدد التطبيقات الشخصية، والاقتصادية، والعسكرية، والملاحية، بالإضافة إلى العديد من النشاطات الاقتصادية التي تعتمد اعتماداً أساسياً على الأقمار الاصطناعية.

وبهذا انتقلت الصناعات الفضائية من مرحلة الصواريخ والأقمار الصناعية للترسانات العسكرية التي بدأت إبان الحرب العالمية الثانية إلى مرحلة الاستخدامات المدنية.

ويقدر حجم صناعة إطلاق الأقمار الاصطناعية والتي تندرج تحت قطاع (النقل الفضائي) بأكثر من سبعة مليارات دولار سنوياً. وحالياً تزيد عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية السنوية الممولة من القطاع الخاص، عن عمليات الإطلاق الممولة من قبل الحكومات والمنظمات الرسمية.

في عام 1967 وبعد عشر سنوات من صاروخ «سبوتنيك الأول» تم تفعيل اتفاقية الفضاء الخارجي التي نصت على أن كل رحلات الفضاء الخارجي هي لمصلحة الدول كافة بغض النظر عن وضعها الاقتصادي أو العلمي، وستكون لمصلحة الجنس البشري ككل.

ويتزايد الاهتمام العالمي باقتصاد الفضاء (Space Economy )، أو الاستغلال التجاري والاقتصادي للمصادر الطبيعية خارج حدود كوكب الأرض. ويتضح حجم ومدى هذا الاهتمام من حقيقة أن حجم الاستثمار في الاقتصاد الفضائي عام 2010 بلغ أكثر من 50 مليار دولار (185 مليار درهم)، كما أن 30 في المئة من الرحلات الفضائية في نفس العام كانت لأغراض تجارية بحتة.

ويقدر حجم الاقتصاد المتوقّع من «اقتصاد الفضاء» وفقاً لدراسة أصدرها مصرف «مورغان ستانلي» العام الفائت بأنه سيتخطى التريليون دولار عام 2040، وتعتقد الدراسة أن المداخيل الأساسية ستكون من عوائد خدمات الأقمار الصناعية والصواريخ، وذلك في توقع لكثافة الطلب على «إنترنت الأقمار الصناعية» وتوصيل الطرود بالصواريخ.

عدا ذلك فإن قائمة الحكومات المهتمة بهذا النوع من الاقتصاد تنمو يوماً عن الآخر، فإلى جانب انضمام الصين والهند إلى القائمة القمرية الأولى قامت ثمانية بلدان في العقد الماضي بتأسيس وكالات فضائية، مثل أستراليا والمكسيك ونيوزيلندا وبولندا والبرتغال وجنوب إفريقيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والتي تعد الرائدة في دول المنطقة في اقتصاد الفضاء وقد قامت مؤخراً بإرسال رائد الفضاء هزاع المنصوري في رحلة استكشافية إلى محطة الفضاء الدولية.

وربما كان من أكثر الاستغلالات التجارية المستقبلية والاستشرافية للفضاء، هو مجال السياحة الفضائية ومجال تعدين الفضاء (Space Mining)، وبالتحديد تعدين الكويكبات والمذنبات. ويوجد بالفعل بعض الشركات التي تأسست لهذا الغرض.

وقد رسمت «ناسا» لنفسها هدفاً جديداً وهو بناء اقتصاد قوي يعتمد على المستعمرات الفضائية حيث طلبت من 12 شركة تعمل في مجال الرحلات الفضائية، ومنها بلو أوريجين وبوينج، دراسة مستقبل الرحلات الفضائية، ويشمل ذلك إنشاء اقتصاد قوي يعتمد على الرحلات إلى المدار الأرضي المنخفض دون الحاجة إلى التمويل الحكومي.

وتؤخذ هذه الأخبار بجدية إذا ما عُرف أن وراء معظم هذه المشاريع ثلاثة من أهم رجال الأعمال الناجحين حول العالم وهم أيلون ماسك مؤسس شركة «تسلا»، وجيف بيزوس مؤسس موقع «أمازون» للتسوق الإلكتروني، وريتشارد برانسون مؤسس شركة «فيرجن» للطيران. أطلق جيف بيزوس شركته «بلو أوريغن» بهدف الهبوط على سطح القمر في عام 2023، وأيلون ماسك من خلال شركته «سبيس إكس» يهدف إلى توصيل الناس إلى كوكب المريخ في عام 2024، وريتشارد برانسون يسعى جاهداً ليكون لاعباً رئيسياً على هذه الساحة هو الآخر.

كذلك نتج عن اقتصاد الفضاء ما يعرف بالاقتصاد المُصاحب، أي النشاطات الاقتصادية، والصناعية، والتكنولوجية، التي تخدم اقتصاد الفضاء بشكل مباشر، ولكن ينتج عنها اختراقات علمية، وتطورات تكنولوجية، تصب في قطاعات اقتصادية أخرى، مثل قطاع الرعاية الصحية، والذي استفاد كثيراً من تطبيقات تكنولوجيا الفضاء، بعد نقلها وأقلمتها للاستخدام في العديد من أجهزة التشخيص وأساليب العلاج الحديثة. ومثل تكنولوجيا الهواتف الذكية التي تملك ناسا حقوق ملكيتها الفكرية.

لقد ألهمت رحلة هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي العديد من الأطفال وجيل المستقبل بمعرفة المزيد عن الفضاء. اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالفضاء قد يفتح آفاق دخولها إلى المنافسة على اقتصاديات المستقبل خاصة اقتصاد الفضاء حالما اكتملت المنظومة العلمية والبحثية المتكاملة التي في طريقها إلى العالمية قريباً، وللحديث بقية.