القناص الماهر هو الذي يجيد اختيار التوقيت، ويجيد اختيار الشريك فيحسن اقتناص الفرص، ويفوز في النهاية بصيد وفير.
ودولة الإمارات العربية المتحدة حباها الله بقناص ماهر يملك القدرة على القراءة الذكية لاستحقاقات المرحلة السياسية المقبلة، والتي تحتاج لمن يجيد لا قراءة الحاضر فقط، بل معرفة ما تحمله بذور المستقبل أيضاً.
لذلك، فإن حراك الإمارات السياسي في الآونة الأخيرة ما هو إلا ترجمة واضحة لتلك القراءة الصحيحة بتوقيت صحيح وبشركاء فاعلين في بناء المستقبل، ذلك هو القنص الصحيح الذي يتحرك وهو يعرف كيف يفكر صقره وكيف تتحرك طريدته!
فرغم أن ما يربطنا بالغرب - أوروبا كانت أم أمريكا أم كندا - العديد من المصالح المشتركة، التي حافظت طوال الفترة الزمنية الماضية، التي فاقت القرن، على تحالف أمني وثيق، تمثل في شراكة قوية وتبادلات تجارية تعدت حدود الاتفاقيات العسكرية والأمنية، إلا أن هذا الغرب، إن صح التعبير، لم يحسن قراءة المتغيرات في الآونة الأخيرة، حيث لم يدرك أن شروق الشمس وغروبها حين يتعلق الأمر بحضارات الشعوب ليس ثابتاً وغير قابل للتغير، فكم شمساً أفلت، وكم شمساً أشرقت، وكم شمساً أفلت في مكان ثم عادت لتشرق من جديد، تلك هي أحوال الشعوب.
لا تريد القوى السياسية التقليدية الغربية أن تدرك حجم التغير الذي مرت به منطقتنا العربية والخليجية تحديداً، لأنها هي لم تدرك حجم التغير الذي حدث تحت أقدامها، لذلك هي عاجزة عن قراءة استحقاقات العلاقات الخليجية الغربية قراءة سليمة معاصرة تدرك حجم المنافسة وتتلمس غروب الشمس وشروقها عندنا وعند الآخرين في المشرق.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايدآل نهيان في توثيقه العلاقات الصينية والروسية الإماراتية التجارية واختياره المجالات التي يفتحها للشراكة الصينية الإماراتية والروسية الإماراتية يقرأ المستقبل قراءة صحيحة، يدرك فيها بروز العديد من المتغيرات التي جعلت من رمي كل البيض التجاري والأمني في السلة الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص خطأ جسيماً لا يدل على حصافة في الرأي ولا قراءة سليمة للمتغيرات.
وبلغة الأرقام، إن شركة «مبادلة» الإماراتية لم تصبح أول شركاء الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة اعتباطاً، وقيام الجانبين الروسي والإماراتي حتى اليوم بتنفيذ 25 مشروعاً تصل قيمتها إلى 2.3 مليار دولار ليس عبثاً أو رقماً دون معنى، إذ بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين روسيا والإمارات 14 مليار دولار في السنوات الخمس الأخيرة.
أما الصين، فتصنف الإمارات على أنها ثاني أكبر شريك تجاري للصين في العالم، كما أنها أكبر شريك للصين في المنطقة العربية، حيث تستحوذ الإمارات على 23% من حجم التجارة العربية مع الصين.
وتمهيداً لطريق الحرير القادم بقوة للمنطقة ارتفع حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات والصين إلى 213.4 مليار درهم خلال العام 2018، وذلك وفق تقديرات رسمية أعدتها وزارة الاقتصاد الإماراتية، أظهرت أيضاً أن هذا الرقم مرشح لبلوغ مستوى 257.6 مليار درهم بحلول العام... إنه موسم القنص الإماراتي فعلاً.