في عام 2018، حفّز «عام زايد» مجتمع الإمارات على التمعن في رؤية وإرث الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من خلال الإنجازات العظيمة للدولة منذ تأسيسها عام 1971.

وكان من الطبيعي أن يعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أن عام 2019 سيكون «عام التسامح»، حيث يجعل التسامح من أهم المكونات التي تعزز الثقافات المختلفة وتسهم في تقدم المجتمعات وازدهار الاقتصاد.

وبهذه الروح بالذات التي غرسها أجدادنا، أنا فخور بأن أقول إن المجتمع الإماراتي يشكل مثالاً واضحاً على التسامح، والتماسك، والاحترام، وتقبل الآخر.

وقد تجاوز النموذج الذي يمثله هذا المجتمع اختبار الزمن وجعل الإمارات نموذجاً عالمياً للتفاهم والتعاون الثقافي، التسامح ليس مرتبطاً بالاحترام فقط، وإنما يعني أيضاً قبول وتقدير التنوع في ثقافات العالم المختلفة، إنه الحافز الذي يدفع الناس لفهم الآخرين وتقبل الاختلافات، بحيث يمكننا أن نكمّل بعضنا البعض ونساهم في تحقيق الخير للجميع.

وفيما نستعد لانطلاق فعاليات «إكسبو 2020» في دبي، يذكرنا «عام التسامح» بأن الأمم القائمة على قيم التسامح والحب والاحترام، هي الأمم القادرة على تحقيق السلام والأمان والاستقرار في مسيرة التنمية على المدى الطويل، وفي الواقع، هناك 192 بلداً أكدت مشاركتها في هذا الحدث العالمي، ما يجعلها الدورة الأكثر شمولاً وعالميةً لمعرض «إكسبو» على الإطلاق، وانعكاساً حقيقياً لدور الإمارات العربية المتحدة في الجمع بين الأمم تحت مظلة واحدة لتعزيز السلام عبر التبادل الثقافي والتجاري.

وقد بذلت حكومة الإمارات جهوداً دؤوبة لنشر قيم التسامح منذ تعيين وزير للتسامح والذي يقدم مقترحات لسياسات ومبادرات تشجع على التفاهم الثقافي وتوفير الفرص بالتساوي دون أي تحيز.

وفي وقت سابق من هذا العام، شهدت أبوظبي أول زيارة للبابا إلى الشرق الأوسط وسط ترحيب كبير من غير المسلمين والمسلمين على حد سواء، وترأس البابا فرانسيس أثناء هذه الزيارة قداساً بابوياً تاريخياً في الهواء الطلق. وتزامناً مع اليوم العالمي للتسامح في 16 نوفمبر ضمن خطوة تمثل حجز زاوية لأسبوع التسامح، ستستضيف دبي الدورة الثانية من قمة التسامح العالمية في نوفمبر، وهو حدث يجمع قادة الحكومات، والشخصيات المؤثرة من القطاعين العام والخاص، وسفراء السلام، وصنّاع التغيير من مختلف أنحاء العالم لمناقشة أهمية التسامح، والسلام، والمساواة، والاحتفاء بالتنوع.

يزداد المجتمع تنوعاً بشكل واضح، ولم يسبق أن كان السفر حول العالم، أو العمل في الخارج، أو حتى العيش في بلدٍ أجنبي لفترات طويلة بهذه السهولة، وتُنشئ مجموعات المهاجرين الصغرى ببطءٍ نظام دعمٍ لمجتمعهم كي ينمو ويتحول إلى جالية كبيرة تزدهر على مدى الأجيال.

ويصبح بعضهم جزءاً من البلد المضيف إلى درجة أنهم لا يرغبون بالعودة إلى وطنهم.

وتعتبر الإمارات العربية المتحدة بلداً مضيافاً بامتياز.

ففي إمارة دبي العام الماضي، قُدّرت نسبة الوافدين من مختلف أنحاء العالم بحوالي 92% من السكان البالغ عددهم 3.2 ملايين نسمة.

وكنتيجة لاستقطاب أكثر من 200 جنسية، نعيش حالياً في مجتمع كثير التنوع، حيث يمكن أن يحوي الفصل الدراسي الواحد أطفالاً من 10 جنسيات مختلفة.

تعكس مدارس الدولة بوضوح حقيقة مجتمعنا، حيث يستكشف جميع الأطفال ثقافات وتقاليد بعضهم البعض في سياق تعليمي وترفيهي، وخلال هذه العملية، يتعلمون أننا لسنا جميعاً مختلفين وأننا جميعاً نتشارك الأحلام والتطلعات المماثلة.

أشعر بالسعادة عندما أرى بناتي يتفاعلن مع أقرانهن من جميع أنحاء العالم ويشاركن وجهات نظرهن ومعتقداتهن المتنوعة.

لا تقتصر روح التسامح فقط على قطاع التعليم، إذ إن تأثيرها امتد ليشمل أيضاً التنمية الإنسانية والمساعدات العالمية.

وفي عام 2015، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بتأسيس مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، والتي تضم تحت مظلتها أكثر من 30 مؤسسة ومبادرة إنسانية وتنموية.

وينصب تركيز المبادرات الإنسانية والاجتماعية والتنموية للمؤسسة في المقام على دعم وتمكين المجتمعات الضعيفة والمحرومة في جميع أنحاء العالم.

تعمل دبي العطاء بذات الدافع والتصميم في كل مبادراتها، سواء عبر دعمها للأطفال والشباب المحتاجين في البلدان النامية، أو أصحاب الهمم في الإمارات وخارجها.

وتساهم برامجنا التعليمية في الاستقرار، والازدهار، والسلام العالمي.

لقد أصبحت الإمارات العربية المتحدة قوة رائدة في تعزيز التسامح عبر مختلف أطياف مجتمعها المتنوع والمتعدد الثقافات، كما أنها لا تدخر جهداً في مضاعفة وتنويع مبادراتها الخاصة بنشر الوعي والحفاظ على مشاركة والتزام سكانها بهذه القضية.

تفتخر دبي العطاء بمشاركتها ومساهمتها في هذه العملية التنموية الاجتماعية التي سيستفيد منها في النهاية جميع سكان الإمارات وبقية العالم.

يمكن للتسامح أن يصبح قيمة عالمية أصيلة، يتبناها الجميع، ولكن العالم كما نعرفه اليوم بحاجة للتغيير.

فلنمنح جميع الأطفال أفضل بداية في الحياة ولنتأكد من حصولهم على ما يلزم لكي يكونوا ذلك التغيير.