تمكنت القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس من وقف الموجة العارمة الأمريكية والإسرائيلية؛ لتصفية القضية الفلسطينية.
والتي اتخذت مسمى «صفقة القرن»، وأجبرت صانعيها ومروجيها على وضعها في «الثلاجة»، بعد تأجيل الإعلان عنها المرة تلو الأخرى، وكشف طبيعة ارتباطها بمصير نتانياهو وصعود «ترامب» إلى الولاية الثانية، وحاجته لأصوات المسيحيين الإنجيليين والذين تقدر أصواتهم بـ 20% أو 25% من ناخبي اليمين الأمريكي.
وهذا الموقف الذي اتخذته القيادة الفلسطينية يجيء في توقيت بالغ الدقة عربياً وفلسطينياً وإقليمياً؛ حيث يتميز الموقف العربي بعدم الاستقرار، وعلى الصعيد الداخلي الفلسطيني يشق الانقسام مجراه، رغم كل محاولات رأب الصدع، أما إقليمياً فإن الموقف يتمحور حول إيران وممارساتها الاستفزازية في العديد من الدول العربية.
وتصدر هذا الملف المشهد الإقليمي؛ وهو ما يعني تراجع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعربي الإسرائيلي إلى المرتبة الثانية في جدول الأعمال علي الصعيد الإقليمي والدولي.
ارتكز الموقف أولاً على الرفض الشعبي الفلسطيني لما تسرب ورشح عن الصفقة المشؤومة، وما سبقها ولحقها من قرارات الإدارة الأمريكية وثانياً على الدعم والتأييد من قبل بعض الدول العربية وعلى رأسها جمهورية مصر العربية، أما ثالثاً فقد استند هذا الموقف على الدعم الدولي وتمسك غالبية عظمى من الدول الكبرى خاصة.
ومختلف التكتلات الدولية بالشرعية الدولية وحل الدولتين والقرارات الدولية التي يستند عليها.
في هذا السياق تجيء تصريحات ومواقف الرئيس الفلسطيني بوقف العمل بالاتفاقيات التي عقدت مع إسرائيل وتشكيل لجنة لبحث آليات تنفيذ هذا القرار، إثر الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين في منطقة صور باهر بالقدس وهدم منازل الفلسطينيين، خاصة وأن هذه المنطقة تخضع لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية وهي صاحبة الولاية في إصدار تراخيص البناء.
قد لا يكون هذا القرار جديداً من حيث المضمون، حيث سبق للمجلس الوطني والمجلس المركزي لحركة فتح أن اتخذا مثل هذه القرارات في عام 2015، غير أن هذه المرة هي الأولى التي يعلن فيها الرئيس الفلسطيني مثل هذا القرار، مما يعني استشعار القيادة الفلسطينية بخطورة الأوضاع والصمت عليها دون رد فعل.
كما يعني التزام القيادة بتنفيذ هذا القرار تدريجياً أو جزئياً، حتى لا يبقى القرار أداة للتنفيس على الاحتقان الداخلي والغضب الشعبي الفلسطيني.
ومع ذلك فإن تنفيذ هذا القرار تدريجياً أو جزئياً يواجه العديد من الصعوبات التي قد تؤثر في مجرى التنفيذ أو تبطئ وتيرته في الواقع، في مقدمة هذه الصعوبات أن هذا القرار لا يمثل جزءاً من استراتيجية واضحة وشاملة ومتفق عليها وتم مناقشتها لمواجهة الوضع الراهن.
ذلك أن الوضع الراهن للقضية الفلسطينية بجوانبه المختلفة، سواء تعلق الأمر بموقف الإدارة الأمريكية وإسرائيل وتنكرهما لحل الدولتين.
ومحاولة إسرائيل ضم المستوطنات وتقاسم الضفة الغربية، أم استمرار الانقسام والتنكر لاستحقاقات المصالحة أو تجاهلها فلسطينياً، أم استمرار سيطرة اليمين العنصري والديني الإسرائيلي على المشهد السياسي في إسرائيل، يتطلب وضع أسس ومرتكزات استراتيجية فلسطينية جديدة تستنهض الشعب الفلسطيني في إطار يختلف عن سابقه؛ نظراً لاختلاف المستجدات والمعطيات وتغيير قواعد اللعبة.
من ناحية أخرى فإن القرار الفلسطيني بحاجة إلى توفر مناخ وبيئة داخلية فلسطينية قادرة على توفير البدائل والاختيارات، في حالة تنفيذ هذه القرارات، يتعلق بعضها بتداعيات هذا القرار اقتصادياً وسياسياً.
ذلك أن ثمن تنفيذ هذا القرار يصعب تحمله ودفعه في حالة افتقاد مثل هذه البيئة، وهذه البدائل، وذلك بطبيعة الحال أسس اتخاذ أي قرار، أي أن تترافق البدائل ومقومات التنفيذ مع عملية إصدار القرار ذاتها.
وحتى الآن فإن مواجهة الموقف الفلسطيني لصفقة القرن وتداعياتها والنجاح في الوصول بها إلى التجميد والتأجيل، لا يعني بالضرورة نهاية هذه الصفقة أو إزاحتها كلياً من المشهد، خاصة وأن هذه المواجهة لم تتزامن مع موقف استراتيجي واضح قادر على التأثير في مجريات الواقع الميداني.
وإجبار خصوم الشعب الفلسطيني على مراجعة حساباتهم وإعادة الاعتبار لردود الفعل الفلسطينية، رغم أن الرئيس الأمريكي اعترف بأن الرفض الفلسطيني كان أحد أهم العوامل في تجميد الصفقة وتأجيلها.
ما لم يكن قرار وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل بداية مرحلة جديدة ونوعية في تاريخ النضال الفلسطيني الوطني، وحقوق الشعب الفلسطيني، فسوف تكون قيمته رمزية ومعنوية، ولا بأس بذلك، ولكن يبدو غير كافٍ في المرحلة الراهنة.
* كاتب ومحلل سياسي