«إن أزمة الشعوب العربية هي في الثقافة العامة التي تمجد الكلام والخطابات، ولا تلتفت للأفعال، وإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو من ألمع الشخصيات التي فهمت ذهنية المواطن العربي، فباعه كلاماً وخطابات قوية، وباع قضاياه بأنجس الأثمان»؟
ما سبق ليس كلامي، ولكنه كلام الكاتب الصحافي الأمريكي الأشهر توماس فريدمان خلال مقابلة مع صحيفة ديلي نيوز الأمريكية.
الصحافي سأل فريدمان عن تفسيره لسر العداء الذي يكنه أردوغان لإسرائيل.
إجابة فريدمان كانت صادمة: «إن ما قام به أردوغان منذ وصوله للحكم كان سلسلة من الخدمات والإنجازات لإسرائيل لم تحلم بها أبداً».
الإنجاز الأول أنه ساهم في تعزيز الشرخ العربي حينما دعم جماعة الإخوان في أكثر من دولة عربية. هذا كلام فريدمان، وشرحه أن الرئيس التركي فتح لهم بلاده لتأوي كل الهاربين من بلدانهم، وخصص لهم القنوات الفضائية لتتحول إلى منصة هجوم يومي ضد غالبية الدول العربية، خصوصاً مصر والسعودية والإمارات.
الإنجاز الثاني أن أردوغان دعم قطر في خلافها مع مجلس التعاون الخليجي، ومصر، مما عمق الخلاف بين الطرفين.
الإنجاز الثالث أنه أسهم فعلياً في القضاء على الدولة السورية، من خلال دعم المتطرفين والإرهابيين، خصوصاً تنظيم القاعدة أو النصرة، مما قضى على أحلام السوريين المعتدلين بالحرية في مواجهة نظام بشار الأسد.
وحينما بدأت سوريا تتعافى، اتفق أردوغان مع إسرائيل وروسيا على إقامة منطقة عازلة في شمال شرق سوريا، وكما يقول فريدمان فإن أردوغان «عاد من البوابة الكردية ليلعب بالنار السورية». لكن ما لم يقله فريدمان في هذا الحوار أن هذا العدوان التركي ما كان ليتم لولا الضوء الأخضر، الذي أعطاه دونالد ترامب للرئيس التركي. في تقدير فريدمان أيضاً أن أردوغان كان له دور محوري في رعاية داعش ومثيلاتها في العراق.
أما عن غزة فيرى فريدمان أن أردوغان استغل ظروف وأحوال سكانها البسطاء، وأرسل إليهم بواخر رمزية لفك الحصار، لكن على أرض الواقع فإنه عقد 11 جولة مفاوضات سرية مع إسرائيل انتهت بعقد صفقات تجارية كبيرة. ويقول فريدمان إن الموساد الإسرائيلي ساعد أردوغان في إفشال محالة الانقلاب ضده في صيف عام ٢٠١٦، كما أنه توسط لحل الخلاف الأخير بينه وبين ترامب من خلال صهره جاريد كوشنر.
وعلى ذمة فريدمان فإنه ينقل عن نائب سابق لرئيس جهاز الموساد قوله، إن ما فعله أردوغان لنا في المنطقة بأكملها لم يفعله أكبر ملوك إسرائيل وأهم رؤساء الوزراء، وإن كان لابد من إقامة نصب تذكاري لأهم شخصية خدمت إسرائيل، فلابد أن يكون نصباً عملاقاً لأردوغان في قلب تل أبيب!!
انتهى الكلام المنسوب لتوماس فريدمان وأعود مرة أخرى إلى الفقرة الأولى التي بدأت بها، وأرى أنها نقطة محورية، لأنها تكشف أن الغرب يعرف ويفهم ويدرك تماماً كيف نفكر نحن العرب، وربما المسلمين أيضاً هذه الأيام.
نحن ننشغل كثيراً باللغة العاطفية الحماسية الرومانسية، حتى لو كانت من دون أي معنى أو التزام.
الكثير منا يعجبه الزعيم أو الشخص المسؤول الذي يخرج عليهم بمعسول الكلام، وأنه ضد إسرائيل والصهيونية والإمبريالية! وللموضوعية فإن أردوغان ليس فريداً في هذه الظاهرة. هناك العديد من السياسيين العرب لهم باع طويلة في هذا الأمر، ربما منذ زرع إسرائيل في قلب المنطقة العربية عام ١٩٤٨!
لكن الفارق إننا ربما نلتمس العذر للعرب في الأربعينيات والخمسينيات وحتى الستينيات أنهم لم يكونوا يعرفون الحقائق. الآن يفترض أن الوضع تغير، والمعلومات والحقائق صارت على قارعة الطريق. فما العذر لمن يفضل أن يقع في مصيدة الخداع المستمرة ؟!
حاولت أن أكون موضوعياً، فبحثت عن أصل هذه المقابلة فوجدتها منشورة على موقع «غزة بوست»، لكن سوف افترض جدلاً أنها مفبركة للإساءة إلى أردوغان وتشويه صورته، وبالتالي علينا أن ننظر في الكلام المنسوب إلى فريدمان، وهل هو تحليل صحيح أم يجافي الواقع؟!
للموضوعية، الكلام المنسوب لفريدمان سليم مليون في المائة، سواء جاء على لسانه أو على لسان بشار الأسد أو أي معارض تركي أو عربي لأردوغان. لأن الخدمات التي أسداها أردوغان لإسرائيل صارت موجودة على أرض الواقع، ولا تحتاج لتسجيل أو إقرار من فريدمان أو غيره.
أما إذا كان الحساب والتقييم بالخطب والتصريحات النارية والمواقف التلفزيونية فقط، فإن أردوغان هو أخطر وأهم أعداء إسرائيل!