«حتى أكون محترماً أمام نفسي فأنا انشققت عن الرينامو ولكني لم أضع يدي مع الفريليمو التي إن فعلت ستقربني منها وستغدق علي بالمال وأشياء أخرى وستقضي على ما تبقى لي من كرامة إن وجدت بعد كل ذلك»، هذا ما أعلنه دافيز سيمانغو رئيس الحركة الديمقراطية الموزمبيقية وعمدة مدينة بيرا وأحد أبرز الأعضاء القدامى في المقاومة الوطنية الموزمبيقية «الرينامو» التي انشق عنها عام 1997 عندما سأله أحد مواطنيه كيف تجاوزت كل ذلك أهو تقدير لذاتك فقط؟

لا يمكن الحديث عن مستقبل موزمبيق دون الحديث عمن يحدد ذاك المستقبل الذي بات محط أنظار العالم بأسره بعد أن خلعت مابوتو ثوب الاشتراكية وإن كان رغماً عنها.

اللاعبون في الساحة السياسية الموزمبيقية هم «الرينامو» الذي بدأ كحركة سياسية مسلحة في موزمبيق ومعادية للاشتراكية، وجبهة تحرير موزمبيق «حزب الفريليمو» الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال حتى يومنا هذا، فهو حزب سياسي تأسس في تنزانيا 1926 على يد إداورد موندلان وبدأ كحركة قومية لتحرير موزمبيق، وحصل على دعم الرئيس التنزاني في ذلك الوقت جوليوس نيريري، ونجح الفريليمو في تحرير المناطق الشمالية من البلاد وإدارتها وأسس أشكالاً تعاونية للزراعة وتحسين أوضاع الفلاحين ووفر لهم التعليم والرعاية الصحية، وحتى يحافظ الفريليمو على ما حققه في تلك المناطق قام بتعيين جنود تابعين له لحماية إنجازاته وبدا أن الفريليمو كان يعمل ليس فقط من أجل الاستقلال ولكن من أجل تأسيس مجتمع اشتراكي حقيقي وهنا تدخل الاتحاد السوفيتي والصين وبعض الدول العربية في دعمه، وحينها كان الجوار الإقليمي لموزمبيق يشهد تنامي الحركات القومية الرافضة للاستعمار، فخوفاً من انتقال عدوى المقاومة ولإفشال مشروع الفريليمو تعاونت حكومات الأقلية البيضاء في روديسيا مع حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وبدء إيان سميث ومن خلال مؤسسة سميث للمخابرات بتشكيل مجموعة أمنية من عناصر موزمبيقية معارضة ومستوطنين سابقين أطلق عليهم «الرينامو»، ومع تصاعد المواجهات تم القضاء على جميع المكاسب التي حققها الفريليمو طوال سنوات نضاله الممتدة وتحول من التركيز على البناء الاشتراكي للدولة إلى التركيز على حماية الإنجازات إلا أن الرئيس الموزمبيقي حينها سامورا ماشيل أصر على الحفاظ على الصورة الاشتراكية ولكن ساءت الأمور في موزمبيق مما دفع الرئيس سامورا إلى القبول باتفاقية نكوماتي التي وقعها مع جنوب إفريقيا، ومن المفارقات التي أقنعت الشارع الموزمبيقي بحجم ما يحاك له أن تلك الاتفاقية كانت تنص على أن تتخلى مابوتو عن دعمها لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في مقابل تخلي جنوب أفريقيا عن دعمها لرينامو ولكن وقبل توقيع تلك الاتفاقية بساعات معدوده قامت جنوب أفريقيا بإرسال شحنة أسلحة ضخمة تم نقلها جواً إلى رينامو مما ضاعف من قوتها وخلق لها دوراً فاعلاً في السياسة الموزمبيقية.

أرى أن المعادلة في موزمبيق قد تتغير على المدى المتوسط، خاصة أن هناك تصريحات باتت تلامس أذان الساسة وتزعجهم وتنادي بضرورة إنهاء مبدأ أن الحزب الحاكم «الفريليمو» هو الدولة وعليه لابد من مراجعة الدستور والبدء بتأسيس محكمة محاسبة ومراقبة خطة الرئيس وضمان انتخاب مباشر لرؤساء البلديات وتشكيل لجنة مراقبة حقيقية للانتخابات وما دعم تلك المطالب التصريحات الأمريكية التي شككت في نتائج الانتخابات الأخيرة واتهمت الفريليمو بأنه غير موضوعي في نقده للرينامو والغريب أن تلك التصريحات جاءت متزامنة مع إعلان واشنطن استثمار بقيمة 25 مليار دولار في موزمبيق، أما الرينامو فبالرغم من حالة التماسك التي يظهرها إلا أنه يعاني في حقيقة الأمر ويخشى من انشقاق أعضائه الذين قد يتم مساومتهم ولا يريد أن يعيش حالة الإرباك التي عاشها بعد انشقاق دافيزسونغو ولذلك تجده دائماً ما يعزز الروح المعنوية لأفراده فعندما توفي فرانسو دلاكاما راهن الجميع على أن الرينامو لن يصمد ولكنه تجاوز ذلك وقام بتعزيز جناحه العسكري بالرغم من معاهدة السلام الموقعة مع الحكومة والتي نصت على تسليم أعضاء الرينامو لكافة أسلحتهم في مقابل إدماجهم في الجيش الوطني ولكن يبدو أن الرينامو لا تأمن كل ذلك والطريق الوحيد لإثبات حسن النوايا هو وصول أحد أعضائها للسلطة.

تدرك مابوتو أن القوى الدولية لا تراهن على الأنظمة الحاكمة في إفريقيا بمقدار ما تراهن على مقدرتها في توجيه تلك الأنظمة وبالتالي لا يمكن استبعاد معادلة التغيير وكبح جماح رياح تلك القوى إن عصفت ذات يوم وأرادت أن تكون.

لكن ما تأثير كل ذلك على المصالح الإماراتية في موزمبيق؟ وهل تتعارض تلك المصالح مع المصالح الخليجية الأخرى وما هو السبيل للوفاق حتى يستفيد الجميع؟ هذا ما سنجيب عنه في مقال قادم.

 

ـــ باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي