الآن وفترة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي توشك أن تنتهي بالخير والبركات، بعد عام خصب تولى خلاله الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الاتحاد الأفريقي، شكل بداية أهم مرحلة في تاريخ القارة نقلها من مرحلة التحديات والصعوبات إلى مرحلة العمل والإنجاز، ووحد إرادتها السياسية مع طموحات شعوبها ليفتح لها آفاق مستقبل باهر، وتصبح جزءاً من حركة التاريخ والنهضة والتقدم.
فجر جديد يسطع الآن على أفريقيا التي أصبحت على امتداد السنوات العشر الأخيرة مركز جذب أساسياً في العالم، يتسابق عليه الصينيون والأمريكيون والروس والهنود والعرب، الجميع يريدون الاستثمار في القارة السمراء الغنية بضخامة ثرواتها التعدينية، من الحديد إلى البترول والذهب والماس، فضلاً عن مواردها المائية من مياه الأمطار التي تسقط علي هضابها بغزارة، إلى الأنهار العظيمة التي تقطعها طولاً، مثل النيل الذي يشهد صراع مصالح ضخمة بين دول المنبع ودول المصب، ونهر الكونغو الذي يذهب عائده المائي الضخم إلى المحيط، فضلاً عن سواحلها التي تشكل أقصر وأهم الطرق البحرية في العالم وواحدا من أهم مصادر الثروة السمكية عالمياً.
وبرغم موارد القارة التعدينية والزراعية والحيوانية والمائية الضخمة التي تمثل مجالات واعدة للاستثمار، وتوافر الإرادات السياسية في عدد من دول القارة، تأكد عزمها على تبني إنجاز تنمية مستدامة مخططة، تغطي مشروعاتها حقباً زمنية تطول إلى أكثر من 30 عاماً في رؤية علمية متكاملة، وبرغم ظروف جديدة أصبحت كافية لجذب الاستثمارات، فإن نصيب أفريقيا من الاستثمارات المباشرة لا يزال في حدود 6.5 مليارات دولار، وإن كان المراقبون يرون أن حجم هذه الاستثمارات سوف يحقق زيادة مطردة بعد إنجاز اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، التي سعت إلى تشجيع المستثمرين وعلاج أوجه المخاطرة في أفريقيا التي لا تساعد على جذب الاستثمار وتقليل حجم المخاطر، والتي يمكن أن تضاعف حجم التجارة البينية في أفريقيا الذي لم يزل في حدود 15%.
ولا تزال قضية أولويات التنمية موضع خلاف ونقاش في معظم المؤتمرات التي عنيت بقضية التنمية المستدامة في أفريقيا وهل يكون التركيز على مشروعات البنية الأساسية بما تحتاجه من استثمارات ضخمة يصنفها ضمن المشروعات القومية الكبرى، أم يكون التركيز على المشروعات المتوسطة والصغيرة التي تدر عائداً سريعاً يمكن أن يخفف من أعباء الفقر والبطالة، وثمة نموذجان مهمان، نموذج التنمية في إثيوبيا التي ركزت على مشروع سد النهضة، واعتبرته تحدياً سياسياً واقتصادياً، وسعت الدولة العميقة في إثيوبيا التي تشكل أجهزة الأمن نواتها الحقيقية إلى اختلاق عداءات خارجية لها أبرزها مصر، رغم أن مصر لم تكن تعادي سد النهضة، ولكنها سعت منذ أول أيام المشروع إلى التحقق من إذا كان هدفه الصحيح هو توليد الكهرباء وليس تخزين المياه بما يضر مصالح مصر المائية التي تعتمد في أكثر من 95% من حياتها على المياه الوافدة من نهر النيل للشرب والزراعة والحياة، لشح مياه الأمطار التي تسقط على مصر، ولأنها لا تملك مخزوناً من المياه الجوفية يمكن التعويل عليه.
لكن معظم الدراسات التي تمت حول أوجه التنمية المختلفة في أفريقيا ركزت على مشروعات البنية الأساسية التي دونها يصعب ضمان استمرار تنمية مستدامة، لكن ما ينبغي تأكيده، هو حاجة الأفارقة إلى التوافق حول معايير أساسية للتنمية في أفريقيا، بحيث لا تتم التنمية في بلد على حساب بلد آخر، وتكون عامل وفاق يربط مصالح الدول المتجاورة والمتشاطئة، وتوفر لكل الأطراف ابتداءً كل المعلومات حول المشروعات المشتركة تجنباً لتضارب المصالح، وحرصاً على حسن الجوار والتعايش السلمي، وأظن أن واحداً من أهم أسباب سوء الفهم التي صنعت هذا التضارب في المصالح هو غياب الشفافية، فيما يتعلق بحجم السد ومخزونه وكمية المياه التي تُخزنها بحيرة السد ومناسيبها، وفضلاً عن ذلك فإن المشروعات الكبرى التي يمكن أن تختلف عليها مصالح دول الجوار بسبب تضارب المصالح لابد أن تلتزم بالشفافية الكاملة، واحترام القانون الدولي ومعاهدات الأنهار، لأن الأمر يتعلق بمصالح متشابكة يلزمها توازن حقوق كل الأطراف، بحيث يمتنع تماماً الإضرار بمصلحة طرف على طرف آخر، أياً كان حجم الضرر الذي يمكن أن يقع، خاصة في غيبة مفهوم واضح ومحدد يفرق بين الضرر الجسيم والضرر غير الجسيم.
وأياً كان الرأي حول أفضلية مشروع على مشروع فإن واجب قادة أفريقيا الالتزام الصارم بمبدأ عدم الإضرار بمصالح طرف على أي طرف آخر، وتقديم مصالح القارة كلها على مصالح دولة واحدة إن تعذر التوفيق بين المصلحتين، لأن تقديم مصالح القارة ينبغي أن يتقدم مصالح دولة بعينها، لأن المستفيد في هذه الحالة أيضاً هو أغلب شعوب القارة، ومن المؤكد أن ربط بحيرة فيكتوريا بالبحر الأبيض شمالاً عبر النيل يمثل مصلحة أساسية لكل دول وشعوب أفريقيا، وكذلك إنشاء طريق بري يربط بين كيب تاون في أقصى الجنوب والقاهرة في أقصى الشمال يخدم التجارة البينية بين جميع دول أفريقيا، كما يخلق شرياناً حيوياً يربط أفريقيا وأوروبا، ويصل المصالح بين أفريقيا بآسيا وأوروبا بما يجعل المشروع مفيداً لكل العالم وجميع البشرية.