إنه غزو من نوع جديد لم نسمع عنه من قبل. هذا الغزو التركي أو العثماني بالأحرى لدولة تبعد عنها آلاف الكيلومترات! في تدخل سافر غير مسبوق في العلاقات بين الدول. ودع عنك المطالبات الواهية من قبل حكومة السراج في ليبيا غير الواعية لما تقوم بعمله.

والتي لا تعرف ماذا تفعل. ووسط تخبط في السياسة غير مدروس ويؤدي في كل مسار من المسارات إلى مخاطر غير محمودة العواقب. وهو ما تؤكده السرعة التي تمت بها الحصول على موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات تركية إلى ليبيا! إذ إنه في غضون يومين تم هذا الأمر على الرغم من خطورة هذا النوع من القرارات على مستوى الدول والبرلمانات في العالم!

ولعل الكثير من المراقبين يؤيدوننا في أن السر في التدخل التركي في ليبيا هو أطماع متعددة. وتركيا بهذا التدخل هي تسعى لتحقيق أكثر من هدف منها ما هو معلن ومنها ما هو خفي. ولو تحدثنا في الجانب الخفي بما أن الجانب المعلن.

معروف لدى الجميع. نقول إن الخفي هو مصالح أو مكاسب ترغب في تحقيقها تركيا من خلال مورد النفط الغني به ليبيا. والاستحواذ على أكبر قدر من الكعكة الليبية!

ومن ناحية أخرى، فإنه يجدر القول هنا لوجود أبعاد كبيرة جداً في هذا التدخل أن تركيا تعي جيداً بأن تدخلها في ليبيا لن يكون هو الحل أو بمعنى آخر لن يتم تهدئة الوضع في ليبيا أو تعديل بيئة السلام فيه.

بل إن تركيا لا يهمها أن يستمر الوضع في ليبيا بعد تدخلها فيه طبعاً أن يستمر بالتردي واستمرار الصراع فيها يكون فيه الشعب بطبيعة الحال هو الخاسر الأكبر وهذه المعادلة الجوهرية في أي سياسة تدخلات في العالم والتي تعيها جميع الدول.

وما نريد قوله هنا هو أن المصالح والمكاسب التي يمكن أن تتحقق في التدخل التركي هو الهدف الأسمى لها وهو تقاسم الثروة النفطية لهذا البلد في ظل استمرار الصراع بل وتغذيته في أحيان كثيرة وتركيا هنا ليست بالحالة الشاذة عن أي تدخل حصل على مدى التاريخ في الدول في العالم أجمع.

المهم تحقيق المكاسب النفطية من بلد يراوح مكانه منذ سنوات عديدة في الصراع بين أبناء الوطن الواحد. وهنا نضم صوتنا لصوت الجامعة العربية التي قالت إن هذا التدخل يشكل إذكاءً للصراع في هذا البلد البائس الذي يقترب في سيناريوهه مع الوضع في العراق.. بلد غني وشعب فقير يتم سلب ثرواته أمام عينيه!..

وهدف آخر لهذا التدخل التركي هو جعل ليبيا ملاذاً مهماً وأساسياً لمنتسبي التيار الإخواني في العالم. الذي تتزعمه تركيا وتدعمه بكل ما أوتيت من قوة!..

إن ما تقوم به تركيا وقامت به في الماضي فيما يخص الوضع في ليبيا يشكل فتنة وتدخلاً لا يمت للإسلام بصلة كما يدعي أردوغان جهاراً نهاراً فهو فتنة أشد من القتل. بين أبناء هذا الوطن الليبي البائس. وهو ما يشكل أقسى أنواع الخصال الإنسانية البغيضة. وتشكل المزيد من الدماء في هذا البلد الذي لا ينقصه المزيد فيما واجهه في السنوات الماضية. وهو أمر يحز بالنفس بدرجة كبيرة لما سيواجهه هذا الشعب الليبي..

إن من يقوم بتلك الأعمال بعيد كل البعد عن أي منهج أو صفة لها علاقة بالإسلام والسلام. بل له علاقة بالعدوانية وعقلية السيطرة وإحياء لفكرة الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية القديمة وإن بشكل جديد. وهو ما تدل عليه الأفعال التركية بعيداً عن التصريحات الكلامية التي لا تتوافق مع تلك الأفعال «يقولون ما لا يفعلون»..

وفي الختام نقول إن جامعة الدول العربية يتوجب أن يكون لها موقف جدي وفعال تجاه عدم ترك ليبيا تتقاذفها التدخلات من هنا وهناك. ويتوجب التحرك سريعاً. والله الموفق.