الأموال الخارجة من عموم أفريقيا بطريقة غير مشروعة لا تعود ولو عادت تعود بشكل صفقات بين عناصر حكومة سابقة سارقة وبين عناصر حكومة حاضرة تريد أن تسرق (هذه هي القصة باختصار).
في الأيام القليلة الماضية اجتاحت العاصمة البرتغالية لشبونة عاصفة وثائق استخباراتية امتد صداها إلى المستعمرة البرتغالية السابقة أنغولا، تلك الوثائق الصادرة من جهاز المخابرات البرتغالي والأنغولي مستهدفة إيزابيل سانتوس ابنة الرئيس الأنغولي السابق جوسيه سانتوس الذي حكم أنغولا بيد من حديد من 2017-1979 بعد أن أعلنت إيزابيل نيتها للترشح للرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
أنهى الرئيس السابق جوسيه سانتوس عهده الرئاسي بتركة سياسية واقتصادية ثقيلة أنهكت أنغولا طوال العقود الماضية وجعلتها في مصاف الدول الأكثر فساداً في العالم، وجاء الرئيس الحالي جواو لورنسو منادياً بضرورة ولادة أنغولا جديدة لن تتحقق إلا بمحاربة الكسب غير المشروع وتنويع الاقتصاد.
في عام 2015 كانت شركة النفط الأنغولية الحكومية المعروفة باسم سوننغول تمر بأزمة كارثية بسبب انخفاض أسعار النفط وتصاعد ديونها وحينها أصدر الرئيس جوسيه قراراً بتشكيل لجنة لإعادة هيكلة قطاع النفط واختار الرئيس شركة أجنبية تدعى وايس سليوشن كجهة استشارية وبعدها بعدة أشهر تم تعيين إيزابيل جوسيه رئيسة لشركة سوننغول، وتلاشت حينها دهشة جهاز الأمن والمخابرات الأنغولي الذي كان يراقب بدقة ما يحدث بعد أن علموا بأن إيزابيل هي المالكة لشركة وايس سليوشن، وبالرغم من أن ابنة الرئيس كانت حديث الصحافة الغربية بسبب امتلاكها لسلسلة شركات في أربعين عاصمة على مستوى العالم.
إلا أن ما زاد احتقان الرأي العام في لوندا هو اختفاء الحساب المصرفي لشركة سوننغول لتبدأ سلسلة قضايا جنائية ضد إيزابيل سانتوس التي أعلنت أن الحكومة الأنغولية الحالية تقدم وثائق مضللة وملفقة، وأكدت أن تكاليف الاستشارات لإعادة هيكلة قطاع النفط كانت أقل بكثير من التي تكبدها من سبقها والهجوم عليها جاء بدافع سياسي، وبخصوص ثروتها فإنها حصلت عليها من عملها، وفي مقابلة لها مع فاينانشيال تايمز قالت: «الصحافة تدعوني بالأميرة، والأميرات لا يخرجن من المنزل لمحلات السوبر ماركت كما أفعل».
النظام السياسي الأنغولي اليوم يخشى من عودة عائلة جوسيه للحكم لو مضت إيزابيل قدماً نحو الترشح للرئاسة، وهذا ما يفسر نشاط جهاز المخابرات وأذرعه الإعلامية بتسريب ملفات سرية لشركات أجنبية تابعة لابنة الرئيس السابق تتعلق بجرائم غسيل الأموال والاستيلاء على المال العام، وما يضاعف قلق حكومة لورنسو هم أنصار الرئيس السابق الذين أرى أنهم وإن كانوا يمتلكون قوة سياسية داخل الحزب الحاكم تؤهلهم لقلب الطاولة لصالح ابنة رئيسهم السابق، إلا أنهم لن يغامروا بقبول ذلك أو حتى محاولة حدوثه، والأسباب عديدة .
ومنها: أن هناك رفضاً عاماً لشخصية إيزابيل وتفاقم حجم ذلك الرفض بعد إعلان مؤتمر دافوس عدم رغبته بحضور إيزابيل جوسيه، كما كشفت المخابرات البرتغالية مؤخراً مقتل أكبر محاسبي شركات إيزابيل في البرتغال في ظروف غامضة، مما ضاعف شكوك المحققين من وجود شبكة مهمتها طمس الحقائق وكافة الأدلة والتي يثير كشفها للعلن إدانة ستصيب عائلة جوسيه في مقتل، وهذا ما قام بتسريبه الأمن الأنغولي لإجهاض نية إيزابيل كمرشحة رئاسية قادمة في لوندا.
ومن ناحية أخرى وبالرغم من أن الرئيس جواو لورنسو كان وزير دفاع سابق وله أنصاره في المؤسسة العسكرية ودورة في وزارة الدفاع التي كان يرأسها مكنته من الخوض في إدارة أعقد الملفات التي يمكن أن تواجهها دولة، هذا فضلاً عن أنه يحظى بثقة عالية في صفوف الكوادر العليا، ولتمكين حكمه قام بإقالة الحلفاء الرئيسيين للرئيس السابق وهم رئيس الشرطة أمبروسيو دي ورئيس المخابرات أبوليناريو بيريرا، إلا أن ما يبطئ تقدم الرئيس الحالي هو رئاسة الرئيس السابق جوسيه سناتوس للحزب الحاكم «إمبلا» الذي يحكم البلاد منذ 1975 حتى اليوم، مما يمنح سانتوس نفوذاً على القرارات السياسية، ويمهد لسيناريو تصادمي مع عناصر القوى الحزبية.
الرئيس لورنسو يتطلع اليوم لتطبيق استراتيجية التصنيع للتصدير، ويتخذ من الفريق أول في الجيش الكوري باك تشونغ صاحب تلك الاستراتيجية مثلاً أعلى له، وسينجح في ذلك إذا اعتمد على أدواته، أما إيزابيل جوسيه فستنحني لعاصفة الوثائق حتى تهدأ وستعاود الكرّة للوصول للسلطة على المدى المتوسط.