دعت موسكو، في وقت سابق، أنقرة، إلى الالتزام بالاتفاقيات المبرمة حول سوريا، وتحديداً أستانة وسوتشي، التي تقضي بوقف القصف على إدلب، وإخراج المرتزقة منها، وحذرت سلفاً وبشدة، من عدم الالتزام، وتوافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع جميع الدعوات العربية، التي تتحدث ليل نهار، عن ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واحترام سيادتها.
بالمقابل، وبعد التحرك الإماراتي الواسع والعميق، قُبيل قمة برلين، وأهمية متابعة مخرجاتها، تحركت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، نحو اسطنبول، لوضع النظام التركي المنفلت والمتخبّط، في بوتقة محددة المعالم، التي تضمن التزام السيد رجب، بما جرى الاتفاق عليه في برلين، والتحذير من خطورة اللعب في المساحة الخلفية لدولة ليبيا، وبعدها مباشرة، اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السيد رجب، بالفشل و«بعدم احترام كلامه» بسبب تدخلاته في ليبيا، وقال المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة بلغة واضحة:«إن هناك من يوافق على القرارات بشأن ليبيا علناً ويخرقها في الكواليس، وإن مقاتلين يدعمون قوات «حكومة الوفاق» يتوافدون بالآلاف».
أوقع العجب، خارجية السيد رجب، في مصيدة دولية، فراحت تدافع هنا بعشوائية، وتهاجم هناك بغوغائية، وضمن صراخها العثماني المزعج، بدت تحاول تبرير دور تركيا التخريبي، وتلقي باللوم على موسكو حيناً وعلى فرنسا وأوروبا عموماً حيناً آخر، مستخدمة حجة واهية حول أن عدم الاستقرار في ليبيا هو الذي يدعوها للتدخل، لكن رجب وخارجيته، في ذات الوقت، لم يتمكنا من توضيح خسارة إدلب، فالتزما الصمت، خوفاً من غضب الإمبراطور الروسي.
لا شك أن أنقرة التائهة، تحاول جاهدة تجميد اتفاقية سوتشي، التي أبرمتها مع القيادة الروسية، والتي تنص على إخراج الجماعات الإرهابية من شمال شرق سوريا، والغريب الملفت أن أنقرة، تحاول أيضاً، انتهاك اتفاق برلين جهاراً نهاراً، بالتحايل عليه، بأسلوب هو أقرب إلى أسلوب العصابات والمافيات والمهربين، في حين أن المجتمع الدولي كله، وليس الإمارات وألمانيا وفرنسا فحسب، يراقب بشدة جميع قنوات العودة للمسار السياسي في ليبيا، والالتزام بقرار الأمم المتحدة الخاص بحظر تصدير السلاح، ووقف تقديم الدعم العسكري لأطراف الصراع، وفرض عقوبات على الجهة التي تخرق الهدنة.
حان الوقت للمقارنة بين من يلتزم بالاتفاقيات ومن ينقضها، بين من يسعى لتحقيقها ومن يسارع إلى انتهاكها، وفي حين تبدو تركيا أول من يركض لحجز مقعد في المؤتمرات والقمم، لكنها، وعلى عكس جميع المشاركين، تبدو دائماً، وبعد بضع ساعات، أول من ينتهك الاتفاقيات ومخرجات المؤتمرات والقمم. فتصدر التصريحات، ثم ترسل الطائرات والسفن المحملة بالذخائر والأسلحة والإرهابيين إلى أرض المعركة دون الاكتراث، أو على الأقل، احترام توقيعها مع المجتمع الدولي.
صحيح أن هناك تحالفات وصفقات بيع أسلحة بين أنقرة وموسكو، لكن في ساحات الحرب وخاصة في سوريا، يبدو الأمر معقداً في عقل السيد رجب، فهو لا يجد مجالاً للعبث والتحايل في هذا الملف، فالإمبراطور الروسي، لديه تركيز شديد على إخراج الإرهابيين من إدلب وعودة المدينة آمنة مستقرة، تحت مظلة النظام والجيش السوري، ويعلم رجب، أن موسكو لن تسمح بالمراوغة، في ظل ارتباط سعي تركيا لاستخراج الغاز من المتوسط، لبيعه لأوروبا وإنقاذ اقتصاده على حساب الغاز الروسي، الذي اختار مؤخراً ومؤقتاً المرور بتركيا، عبر خطوط «ترك-ستريم» وصولاً إلى بلغاريا واليونان وشمال مقدونيا، بدلاً من الطريق الذي كان يمر بأوكرانيا ورومانيا.
ما زالت دعوات السلام للعام 2020 تتزايد، على وقع الدعوة الإماراتية العالمية، فتدخّل الجزائر، وتقبّل دعوة الإمارات، بزيارة الرئيس عبد المجيد تبون، على أمل حشد التأييد العربي والدولي، لإقناع تركيا، بطريقة ما، أن السلام هو الحل.