قبل بضعة أعوام كانت هناك العديد من العوامل التي تدفع للأمل في أن تكون المنطقة العربية والشرق الأوسط كله في الطريق إلى مرحلة من الهدوء وإطفاء الحرائق التي لم تتوقف منذ عقود طويلة.
كان العالم قد تجاوز مرحلة الحرب الباردة منذ سنوات والتي كانت المنطقة جزءاً أساسياً من صراعاتها، ثم كانت الولايات المتحدة قد تجاوزت فترة النشوة بالانتصار في هذه الحرب، وأدركت أن هذه ليست «نهاية التاريخ» بل مرحلة من مراحله العديدة يمكن أن يبنى عليها لعالم أفضل لو استوعب الجميع الدرس، وسعوا لبناء عالم تسوده مبادئ العدالة والحرية وكرامة الإنسان.
وكانت النتيجة الأبرز لهذه التطورات هي سيادة نظرة جديدة تقبل فيها القوى الكبرى «وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية» بأن زمن الانفراد بزعامة العالم والسيطرة على مقاديره قد انتهى، وأنه أصبح ضرورياً أن ننتقل من عالم القطب الواحد إلى عالم الأقطاب المتعددة، وأن يتم إصلاح النظام العالمي ومؤسساته السياسية والاقتصادية الكبرى على هذا الأساس.
على هذا الأساس كان القبول بالصعود الصيني الهائل، وما يستتبعه من منافسة اقتصادية صعبة لا بد أن تترجم إلى قوة سياسية وعسكرية وعلمية، وكان الصعود الأوروبي بعد أن تكون أوروبا لاعباً أساسياً في النظام العالمي الجديد.
وعلى هذا الأساس كانت روسيا تنتشل نفسها من أتون الفوضى وإن كانت تدرك يومها أن الطريق طويل وصعب رغم ما تملكه من إمكانات كبيرة، وعلى هذا الأساس أيضاً كانت دول صاعدة تكثف جهودها لكي يكون لها مكان بين الكبار، وكان التوجه العام يقول إن الاقتصاد - وليست القوى العسكرية - هو الذي سيفرض كلمته، وأن الطريق للنظام العالمي الجديد لا ينبغي مطلقاً أن يشهد حروباً كبرى.
وكان الأمل أن تكون المنطقة العربية في طليعة المستفيدين من هذا المناخ، وأن تتكاتف جهود العالم لإنهاء الصراعات بعيداً عن مناخ الحروب الباردة أو الساخنة، وأن تتحول من ساحة للتسابق على النفوذ والثروات بين القوى الكبرى إلى ساحة للتعاون بينها على خلق نموذج للتقدم في ظل التفاهم الدولي.
لكن ما حدث بعد ذلك قلب الأمور رأساً على عقب، وربما كانت الأزمة الاقتصادية العالمية بعد ثماني سنوات من بداية القرن نقطة فاصلة في إعادة النظر في مواقف قوى كبرى عدة، وفي ذلك عاد الشرق الأوسط ليكون في بؤرة الصراع، كان كارثياً مخطط أمريكي للتعاون مع الجماعات المتأسلمة، وفي مقدمتها الإخوان لتكون حليفاً في إعادة تقسيم المنطقة على أساس أن تكون في حصتها وهي تنافس باقي القوى الكبرى في نظام عالمي جديد، وكان كارثياً استغلال طموحات الشعوب للعدل والحرية في شائعة الفوضى.
وكان أكثر من كارثي أن تترك القوى الإقليمية غير العربية تمد نفوذها وتعبث بمصير المنطقة التي أصبح عليها أن تواجه - إلى جانب المطامع الصهيونية التي لا تنتهي - أوهام تركيا أردوغان في استعادة السلطنة العثمانية الغاربة، ومخططات ملالي طهران لرفع أعلامهم في العواصم العربية وإثارة حروب الطوائف والمذاهب لتدمير كل ما هو عربي.
ما تم في مواجهة ذلك كان حاسماً ومازال، لم يكن سهلاً إسقاط مؤامرة تسليم مصر لحكم الإخوان، ولا كان سهلاً التصدي للتآمر على اليمن ودول الخليج العربي، ولا كان سهلاً مواجهة الهوس الأردوغاني في ليبيا، ولا التصدي الشجاع من شعبي العراق ولبنان لإنقاذ القطرين الشقيقين من براثن الطائفية والمذهبية والفساد، ومن محاولات مد النفوذ والتوسع من القوى الأجنبية.
ما أنجزناه في مواجهة التحديات في الفترة الماضية كان مهماً للغاية، وما قدمناه من تضحيات في مواجهة أعداء الداخل من ميليشيات الإرهاب ومن يدعمونهم من القوى الإقليمية والدولية حمى بلادنا مما هو أخطر.
ربما يكون على الدول العربية التي تحملت عبء المواجهة «وفي المقدمة مصر والإمارات والسعودية» أن تبلور استراتيجية شاملة للتعامل مع الظروف الجديدة تنضم لها كل الدول العربية الفاعلة، ورغم ذلك كله علينا أن نتصرف من منطق الثقة بقدرتنا على تجاوز كل هذه التحديات، قيمة ما أنجزناه في السنوات الصعبة الماضية أنه أثبت لنا أننا نستطيع، وأن قوتنا الذاتية هي الأساس، وأن إرادتنا الحرة المستقلة هي القادرة على أن تحمي الوطن، وتنتصر لدينها الحق وعروبتها التي لم تكن يوماً «أكذوبة»، كما ادعى الخونة وأنصار الإفك الإخواني.