يقول تشستر كروكر أحد أهم الخبراء في إدارة الرئيس رونالد ريجان «عندما يأتي الحديث عن ليبيريا لابدّ أن يقودنا للحديث عن خلفية التاريخ الأمريكي في أفريقيا.
فنحن استخدمنا دبلوماسيتنا في أفريقيا ولم نكن نرغب باستخدام عضلاتنا ولم نسمح للآخرين باستخدام عضلاتهم وحينها حدثت الكوارث.
إلا أن الأفارقة يتطلعون دائماً للولايات المتحدة في قيادة الحلول للأزمات التي تمر وستمر بها ليبيريا مستقبلاً».
المتتبع لتاريخ ليبيريا كدولة يجد أنها وجدت لأسباب محددة فهي دولة أنشأها الكونغرس الأمريكي في القرن الثامن عشر من خلال مواطنين أمريكيين من أصول أفريقية تم إرسالهم إلى تلك البقعة الجغرافية رافعين شعار«حب الحرية جلبنا إلى هنا»، ثم ما لبثوا أن أبعدوا المكون المحلي واستأثروا بالسلطة لتصبح ليبيريا محطة لوجستية لدعم الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
وقاعدة رئيسية في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي بعد ذلك وطيلة تلك القرون حتى الحرب الأهلية التي شهدتها ليبيريا في عهدها الحديث لم تختلِ مونروفيا بنفسها بعيدة عن واشنطن.
أعلنت ليبيريا مؤخراً دعوتها لتقديم تراخيص بحرية ستبدأ في أبريل القادم لاستئناف التنقيب عن النفط والغاز بعد سنوات من الركود.
وأكد الرئيس الليبيري جورج ويا أمام البرلمان أن هناك تسع كتل بحرية سيسمح على أثرها للشركات الدولية بتقديم برامجها الاستكشافية وتوجد تلك الكتل في حوض هاربر الشهير الذي يعتبر إحدى أهم المناطق التي لم تستخدم بعد، والتي تؤكد أرضيته أنه يحتوي على حقول تزيد على مليار برميل من النفط.
من المعروف أن شركة شيفرون وأناداركو وأكسون موبيل وجميعها شركات أمريكية تعمل في ليبيريا منذ عقود ولحقت بهم الشريكة الأولى لأكسون موبيل وهي شركة أوفرسيز بتروليوم الكندية التي ذاع صيتها في الغرب الأفريقي عندما جاء ذكرها في أحد الملفات الشائكة لمنظمة جلوبال ويتنس على أثر صفقة لعبت فيها أوفرسيز دوراً رئيسياً .
وكانت النتيجة أن استحوذت إكسون موبيل على كتلة النفط الليبيرية التي يطلق عليها الكتلة (13).
ومن الجدير بالذكر أن تلك الصفقة التي وصفت بالشائكة والمعقدة لضبابية الأحداث التي صاحبتها لم تكن بعيدة عن شركة النفط الوطنية الليبيرية «نوكول»، التي شاركت في تسويات مالية لكبار المسؤولين الذين وافقوا على مرور تلك الصفقة لصالح إكسون موبيل.
والغريب أن «نوكول» تنازلت عن معظم الفوائد التي يضمنها قانون النفط لعام 2002 للشعب الليبيري، مما أثار الرأي العام بعد تكشف تلك الحقائق وألزم الحكومة بضرورة إعادة التفاوض في جميع العقود.
تحاول ليبيريا اليوم النهوض باقتصادها من خلال طرح تلك التراخيص البحرية التي لو تقدمت دولة الإمارات للحصول على جزء منها سيعزز تواجدها ليس فقط في مونروفيا.
بل في غرب أفريقيا خاصة أن المصالح الإماراتية في الجوار الإقليمي لليبيريا تحتاج إلى وضعها في قالب تكاملي سيلحقه بلا شك ولادة تكتل اقتصادي من نوع آخر إذا قمنا بقراءة الواقع السياسي الأفريقي بشكل دقيق.
وما ذهبنا إليه يدعمه إعلان الرئيس جورج ويا أثناء زياراته للإمارات في مارس 2019 وطلب حينها إنشاء منطقة اقتصادية بتعاون إماراتي لدعم قطاع الطاقة.
وعليه أتطلع شخصياً أن تتضافر الجهود للحصول على ذلك العطاء خاصة أن هناك عواصم خليجية لها ثقلها في تلك المناطق ويمكن أن تتعاون، وبالتالي ستتلاقى الجهود الإماراتية مع تلك الجهود الخليجية للدخول كشركاء في تلك الفرص.
ما يعيق التواجد الإماراتي في تلك المناطق هو ضعف القدرة السياسية والاقتصادية لبعض المؤسسات الأفريقية التي فُرض عليها قبول تلك الشركات الغربية العالمية، مما أدى إلى ضعف استيعاب الساحة الأفريقية إلى حد ما للشركات الخليجية وإن كانت عالمية.
ولكن بالرغم من ذلك يمكن لدولة الإمارات أن تتوصل لصفقة مع تلك الشركات الكبرى العاملة في ليبيريا للحصول على نسبة معينة من عقود الاستكشاف النفطية المستقبلية في تلك الكتل خاصة أن مثل ذلك التعاون يحقق لعواصم خليجية في عدد من دول الشرق والجنوب الأفريقي.
وإن كان ولابدّ من التعامل مع الشركات النفطية العالمية في أفريقيا فإنه يمكن للإمارات ودول الخليج العربي أن تعمل في المقابل على تعزيز علاقتها مع المنظمة الأفريقية لمنتجي النفط (أفريكان بتروليوم)، التي تهدف لتحقيق العالمية والريادة في مجال الكربون الهيدروجيني في القارة الأفريقية.
* باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي