في معرض الحياة الواسع، الذي يقسّم العالم إلى قارات وأمم وتحالفات ومرجعيات وأديان وطوائف وتيارات فكرية، وإلى دول غنية ودول فقيرة، وإلى أوطان ينتشر فيها العلم والتقدم والرؤية الحكيمة والعمل والإنجاز، وأخرى يعمَها الفساد وينهكها الكسل، يظهر الجناح الذي تمت هندسته منذ آلاف السنين، في شبه الجزيرة العربية، في عهد النبي إسماعيل عليه السلام يضع على بوابته اسم «الوطن العربي»، مع لوحة تقول للزائر بصراحة: «لدينا فائض من السياسيين في العالم العربي، ولدينا نقص في الإداريين، أزمتنا أزمة إدارة وليست موارد»، والتي قالها المفكر والإداري العربي، الذي نجح في الإدارة، بشهادة علماء الكون، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

في الأقسام الداخلية لهذا الجناح، نرى سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا، ونرى الجزائر وتونس والمغرب، والسودان وموريتانيا وجيبوتي والصومال وجزر القمر، ومصر والأردن ودول الخليج العربي، ونرى الفروقات الهائلة بين تلك الأقسام، الأزمات السياسية الخانقة التي تعصف في بعض الدول العربية، والفساد المستشري في بعضها الآخر، والتي لخصها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في علمتني الحياة بقوله: «الخوض الكثير في السياسة في عالمنا العربي، مضيعة للوقت، ومَفسدة للأخلاق، ومَهلكة للموارد، من يريد خلق إنجاز لشعبه فالوطن هو الميدان.. والتاريخ هو الشاهد، إما إنجازات عظيمة تتحدث عن نفسها، أو خطب فارغة لا قيمة لكلماتها ولا صفحاتها».

في سوريا، ومنذ تسع سنوات، تطحن حرب السياسة البشعة، حضارة تعالت عقوداً طويلة، فيلجأ السياسيون المعارضون إلى تركيا ويطلبون منها احتلال بلادهم ودعم الجماعات الإرهابية التي سيطرت على الشمال، فقتلت الكثير وشرّدت ملايين اللاجئين السوريين، وفي العراق، وخلال 16 عاماً، حاول الفاسدون، بولائهم لنظام الملالي، وبالطريقة التي يديرون بها البلاد، تعميق الطائفية وجرّ البلاد والعباد إلى حافة الهاوية، أما لبنان، وبسبب وجود ميليشيا حزب الله الإرهابية، والتيارات السياسية العقيمة، والصراع على السلطة، فبات في أسوأ أحواله الاقتصادية والسياسية.

في اليمن، يفجر حزب الإصلاح الإخواني، المدعوم من تركيا، وميليشيا الحوثي الإرهابية، المدعومة من إيران، ثورة همجية غامضة تتسبب في حلقاتها الأولى بانقلاب الحوثية واحتلال صنعاء، وحرب طاحنة تمتد فيها أيدي الغدر إلى السعودية، وإلى المدنيين والأطفال والنساء، والبنية التحتية، فتنتشر الأمراض والأوبئة بشكل مخيف، وفي حلقاتها الأخيرة، يرتد الإصلاح عن حرب الحوثية نحو الجنوب المحرر، بدعم وإسناد من الجماعات الإرهابية كالقاعدة وداعش وغيرها.

«انظر للصين واليابان لا تملكان موارد طبيعية أين وصلتا. وانظر لدول تملك النفط والغاز والماء والبشر، ولا تملك مصيرها التنموي.

ولا تملك حتى توفير خدمات أساسية كالطرق والكهرباء لشعوبها»، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وهو الحق، فليبيا وحدها مثلاً، صاحبة أكبر احتياطيات نفط في قارة أفريقيا، وبسبب الفساد، وتزعم حكومة سياسية إخوانية ضعيفة، لا تفقه في الإدارة، تترك ميليشيات مرتزقة تدير أمن عاصمتها طرابلس، ثم توقّع اتفاقيات احتلال مع الأتراك، وتحارب جيشها الوطني، قد أصبحت عاجزة عن استثمار أدنى مواردها، بل تستخدمها في شراء المزيد من المرتزقة، الذين ينتقلون اليوم من شمال سوريا إلى ليبيا بطائرات تركية!

خلال الجولة في الجناح العربي، ترى الكثير، وقد لا تصدق عيناك ما تراه، أكوام من السياسيين، يتجمهرون على كراسي السلطة، يتزاحمون على بواباتها، بينما بلدانهم تغرق إلى القاع السحيق، والمشكلة أنه لا يستطيع أحد مجادلتهم، فأقل ما يمكن أن يفعلوه، كما حدث في لبنان والعراق أخيراً، يطلقون النار على صدور المحتجين!

السياسي، ليس من يجعل ولاءه لدولة أخرى ثم يسرق الناس ويجوعهم ويقتلهم، بهدف البقاء على الكرسي، بل كما يقول الشيخ محمد بن راشد: «السياسي هو من يدير الاقتصاد، ويدير التعليم، ويدير الإعلام، ويدير حتى الرياضة».